السلام فأنزل الله تعالى هذه الآية " ثم فكر وقدر * فقتل كيف قدر " إلى قوله " إن هذا إلا سحر يؤثر ".
فمن دفع فصاحة القرآن لم يكن في حيز من يكلم.
وأما اختصاصه بالنظم معلوم ضرورة لأنه مدرك مسموع وليس في شئ من كلام العرب ما يشبه نظمه من خطب ولا شعر على اختلاف أنواعه وصفاته، فاجتماع الأمرين منه لا يمكن دفعهما.
فإن قيل: لو كان القرآن خارقا للعادة بفصاحته لوجدنا الفرق بين كلام أفصح العرب وبينه كما وجدنا الفرق بين كلام شعراء المتقدمين وبين شعراء المحدثين الركيك وهما معتادان وكان ذلك أولى من حيث كان أحدهما معتادا والآخر خارقا للعادة. وإذا لم نجد ذلك دل على أنه ليس بخارق للعادة بفصاحته.
قلنا: هذا السؤال إنما يلزم من ادعى خرق العادة بفصاحته فقط دون من اعتبر الفصاحة والنظم وليس يمكن اجتماعهما في شئ من كلام العرب فيعلم كيفية الفصاحة والفرق بينهما.
فإن قيل: النظم مقدور لكل أحد وإنما الفصاحة هي المعتبرة.
قلنا: أول ما نقول أن النظم أيضا يحتاج إلى علم مخصوص ولذلك تختلف الأحوال فيه، فيتأتى من بعضهم الخطب ولا يتأتى منه الشعر والآخرون يتأتى منهم الشعر ولا يتأتى منهم الخطب، ولا يكفي في النظم مجرد القدرة ولم نجدهم نظموا شيئا مثل هذا القرآن، فمن أين لنا أنه كان يتأتى منهم.
على أنه لو كان النظم مقدورا لم يمتنع أن يكونوا متى أرادوا الفصاحة المفرطة في هذا النظم لم يتأت منهم وإن تأتت منهم في الشعر والخطب. ألا ترى أن في الناس من يكون أخطب الناس وأبلغهم فيها فإذا نظم الشعر كان ركيكا، وكذلك من قال الشعر البليغ الذي فيه الغاية لا يحسن أن يكتب كتابا