قلنا: الجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أن تمكين هؤلاء المذكورين من الفساد ليس باستفساد لأنه تمكين وتعريض الثواب أعظم من الثواب الذي عرضوا له مع عدم هؤلاء، فصار خلق هؤلاء وتمكينهم من الشبهات من تكليف أشق وتعريضا لثواب أعظم، فخرج بذلك من الاستفساد، لأن حد الاستفساد ما يقع عنده الفساد ولولاه لم يقع من غير أن يكون تمكينا، وهذا تمكين فخرج من الاستفساد.
وليس لأحد أن يقول: تمكين الجن من القاء القرآن إلينا تمكين وليس باستفساد. لأنا بينا أن ذلك يسد علينا الباب الموصل إلى الفرق بين الصادق والكاذب، وذلك باطل بالاتفاق.
والثاني: أن كل من فسد بدعاء إبليس وهؤلاء الممخرقين كان يفسد وإن لم يكن إبليس ولا أحد من هؤلاء، فلم يكن ذلك استفساد، كما يقول فيمن بطل عند متشابه القرآن وخلق إبليس وغيره. ولا يمكن ادعاء العلم الضروري في خلافه لأن ذلك غير معلوم، ولا يمكن مثل ذلك في القاء الجن القرآن، لما بيناه من أن ذلك يؤدي إلى سد الطريق في الفرق بين الصادق والكاذب.
وهذا القدر كاف ههنا، فإن استيفاءه يطول به الكتاب، وقد أجبت عن سؤال الجن بأن قلت: بأن ذلك يؤدي إلى أن انشقاق القمر وطلوع الشمس من مغربها وقلع الجبال من أماكنها وطفر البحار العظام وفلق البحر لا يكون شئ من ذلك معجزا، لأن جنسه داخل تحت مقدور القدر، ولا يمتنع أن يكون جميع ذلك من فعل بعض الجن. ومن ارتكب فقال جميع ذلك لا يدل على النبوة، كفاه ما فيه من الشناعة.
ومتى قالوا: حمل الأجسام العظيمة وقلع الجبال تحتاج إلى أن يكون من حمل ذلك على بنية كثيفة تحتمل القدر الكثير، لأن الأجسام المتخلخلة لا يحملها مثل قدر الفيل ولا تحمل النملة من القدر ما تحمل الجبال، ولو حصل من له بنية