على الجملة. فإذا عرف بعد ذلك صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز حصل علمه به على طريق التفصيل.
فصل (في إثبات صانع العالم وبيان صفاته) إذا ثبت حدوث الأجسام بما قدمنا، فالذي يدل على أن لها محدثا هو ما ثبت في الشاهد من أن الكتاب لا بد لها من كاتب والبناء لا بد له من بان والنساجة لا بد لها من ناسج وغير ذلك من الصنائع. وإنما وجب ذلك فيها لحدوثها، فيجب أن تكون الأجسام إذا شاركتها في الحدوث أن تكون محتاجة إلى محدث.
فإن قيل: كيف تدعون العلم بذلك وههنا من يخالف في ذلك ويقول الكتابة لا تعلق لها بالكاتب ولا البناء بالباني ولا غير ذلك من الصنائع، وهو الأشعري وأصحابه، لأن عندهم أن هذه الصنائع لا كسب للعبد فيها وإنما هي من فعل الله وحده.
قلنا: الأشعري لم يدفع حاجة البناء إلى بان ولا الكتابة إلى كاتب، وإنما قال فاعلها هو الله تعالى دون العبد. ونحن لم ندع العلم بحاجة هذه الأفعال إلى فاعل معين بل ادعينا حاجتها إلى صانع ما في الجملة. ثم هل هو القديم أو الواحد منا؟ موقوف على الدليل، ودليله هو أنه يجب وقوع هذه الأفعال بحسب دواعينا وأفعالنا ويجب انتفاؤها بحسب صوارفنا وكراهتنا، فلو كانت متعلقة بغيرنا لما وجب ذلك، كما لا يجب ذلك في طولنا وقصرنا وخلقنا وهيأتنا لم لما تكن متعلقة بنا، فالوجوب الذي اعتبرناه يبطل تعلقها بغيرنا.