أحدها - أنه لو طعن هذا السؤال في إعجاز القرآن لطعن في سائر المعجزات ولا يكون لنا طريق إلى العلم بصدق الصادق، لأنا متى قلنا أن ما يختص القديم بالقدرة عليه متى فعله على وجه يخرق العادة يكون دالا وكان لقائل أن يقول: لم لا يكون في عادة الجن إنه إذا قرب جسم من جسم ميت عاش، كما أجري العادة في الإنس إذا قربنا الحجر المغناطيس إلى الحديد جذبه، ومتى جوزنا ذلك لم يكن في إحياء الميت على مدعي النبوة دليل على صدقه، لأنه لا يأمن أن يكون بعض الجن نقل إليه ذلك الجسم وإحياء الله تعالى ذلك لمكان عادتهم.
فإن قيل: إحياء الله تعالى الميت عند تقريب الجسم بيننا وفي عادتنا خرق منه تعالى لعادتنا، فجرى مجرى تصديق الكذاب، وذلك لا يجوز عليه، وليس إذا جاز أن يفعل ذلك في عادة الجن بحيث لا نعلمه جاز أن يفعله في عادتنا، لأن فعله في عادتهم لا وجه لقبحه وفعله في عادتنا فيه وجه قبح لأنه استفساد. وليس كذلك نقل الكلام، لأن الجني إذا نقل الكلام الذي لم تجر عادتنا بمثل فصاحته فنفس نقله خرق عادتنا وليس له تعالى في ذلك صنع، وإذا نقل الجسم المشار إليه فنفس نقله للجسم لم يخرق عادتنا، وإنما الخارق لها إحياء الميت عند تقريب الجسم، فالفرق بين الأمرين واضح.
قيل: السؤال لا يلزم من وجهين، وهذا الانفصال ليس بصحيح:
أحدهما - أن الجني إذا أحضر الجسم الذي أجرى الله عادتهم بإحياء الميت عنده فلا يخلو أن يحيي الميت عنده أو لا يحييه، فإن أحياه فهذا تجويز كونه كاذبا وأنه إنما أحياه لمكان عادتهم، وإن لم يحيه كان في ذلك خرق عادة الجن بفعل المعجز خرق عادتهم في رفع الإحياء عند هذا الجسم الذي