وذلك أنه إذا كانت المعارضة متعذرة على الفصحاء المعروفين والشعراء والخطباء المبرزين كفى ذلك في باب خرق العادة وثبوت كونه معجزا، إما بأن يكونوا مصروفين على مذهب من قال بالصرفة أو لأن القرآن فقط فصاحته خرق العادة.
وأيهما كان وجب تساوي الكل فيه وأن أحدا لم يتمكن من المعارضة، وذلك يمنع من التجويز الذي سألوا عنه.
وإذا ثبت أنهم لم يعارضوه [فإنما يعلم أنهم لم يعارضوه] 1) للعجز - لأن كل فعل لم يقع مع توفر الدواعي لفاعله وشدة تداعيه عليه - قطعنا على أنه لم يفعل للتعذر، ولذلك قطعنا على أن الجواهر والألوان ليست في مقدورنا مع علمنا بتوفر الدواعي إلى فعلها وانتفاء الموانع المعقولة، فيخرج من هذا أن نقطع على أن جهة ارتفاع ذلك للتعذر لا غير. [لأنا علمنا أن العرب تحدوا بالقرآن وتوفرت دواعيهم إلى معارضته ولم يكن هناك مانع فوجب القطع على أن ذلك للتعذر لا غير] 2).
وكيف وقد علمناهم تكلفوا المشاق من بذل النفوس والأموال والحروب العظيمة التي أفنتهم طلبا لإبطال أمره، فلو كانت المعارضة مباينة لما تكلفوا ذلك لأن العاقل لا يترك الأمر السهل الذي يبلغ به الغرض ويفعل الأمر الشاق الذي لا يبلغ مع الغرض، ومتى فعل ذلك دل على أنه مختل العقل سفيه الرأي، والقوم لم يكونوا بهذه الصفة.
وليس لأحد أن يقول: إنهم اعتقدوا أن الحرب انجع من المعارضة فلذلك عدلوا إليها. وذلك أن النبي عليه السلام لم يدع النبوة فيهم بالغلبة والقهر وإنما ادعى معارضة مثل القرآن تتعذر عليهم وأنه المختص بذلك ولا