فعلى وجه التبع، فلا يجوز أن يكون الأمر على هذا ومع هذا فلا يؤديه، لأن ذلك يخل بإزاحة علة المكلفين في تكليفهم، وذلك لا يجوز.
وأما الكلام في النسخ فقد حكينا أن الخلاف المشهور فيه مع اليهود الذين منعوا النسخ، وهم ثلاث فرق: منهم من منع النسخ عقلا، ومنهم من منعه سمعا، ومنهم من أجازه ومنع من صحة نبوة نبينا عليه السلام. ونحن نتكلم عليهم واحدا بعد أن نبين حقيقة النسخ.
والنسخ في الشريعة عبارة عن كل دليل شرعي دل على أن مثل الحكم الثابت بالنص الأول زائل في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتا بالنص الأول مع تراخيه عنه.
وذكرنا " المثل " دون " العين " لأنه لو نهاه عن نفس ما أمره به لكان ذلك قبيحا إما بأن يكون بداء أو فيه وجه آخر من وجوه القبح.
وخصصنا أدلة الشرع بذلك لأن ما يزيل وجوب الفعل في المستقبل من العجز أو فقد الآلة أو ما يجري مجرى ذلك لا يوصف بأنه نسخ وإن كان مزيلا لوجوب الفعل من حيث اختص هذا الوجه بأدلة الشرع.
وشرطنا التراخي لأن ما يقترن باللفظ من ذكر الغاية الدالة على زوال الوجوب عندها لا يوصف بأنه ناسخ. ألا ترى أن قوله " ثم أتموا الصيام إلى الليل " 1) لا يقال " إلى الليل " ناسخ لصوم النهار، وكذلك لو قال الزموا السبت إلى وقت كذا لم يكن ما بعد ذلك الوقت ناسخا لما قبله وإن سقط الغرض فيه، ولو قال ذلك مطلقا ثم دل بعد ذلك على سقوط لزومه سمي ذلك نسخا للتراخي الذي قدمناه.
فإذا ثبت حقيقة النسخ في الشرع فالدليل على جوازه هو أن كل دليل