ودليل التنفير يقتضي نفي جميع القبائح عنهم صغيرها وكبيرها، والفرق بينهما مناقضة.
وقولهم " حط الصغائر بتنقيص الثواب " ليس بصحيح إذا سلمنا الاحباط لأنها وإن نقصت الثواب فهي فعل قبيح وإقدام عليه ومع ذلك يزيل ثوابا حاصلا وفي ذلك من مرتبة عالية إلى ما دونها، وذلك لا يجوز على الأنبياء كما لا يجوز أن يعزلوا عن النبوة بعد حصولها. ثم يلزم عليه تجويز الكبائر قبل النبوة، لأن حطها نقصان الثواب، لأن عقابها قد زال بالتوبة والنبوة، وذلك لا يقوله أكثر من خالفنا.
وأما ما يستدل من الظواهر التي يقتضي ظاهرها وقوع المعصية من الأنبياء نحو قوله تعالى " وعصى آدم ربه فغوى " 1) فقد بينا الوجه فيه في التفسير واستوفاه المرتضى في التنزيه لا يحتمل ذكر ذلك ههنا.
بل نقول: الظواهر تبنى على أدلة العقول ولا تبنى أدلة العقول على الظواهر، وإذا علمنا بدليل العقل أن القبيح لا يجوز عليهم تأولنا الآيات إن كانت لها ظواهر وإن كان أكثرها لا ظاهر له على ما بين هناك.
وأما الذي به يعلم أنه لا يجوز عليه الكتمان مما بعث لأدائه فهو أنا لو جوزنا ذلك أدى إلى نقض الغرض في إرساله، فنؤل ما حمله وكلف أداه إلى من هو مصلحة له حتى يكون مزيحا لعلتهم، فإذا علم أنه لا يؤدي انتقض الغرض ولم تحصل إزاحة العلة في معرفة المكلفين. وليس ذلك بمنزلة تكليف من علم الله أنه يكفر، لأن الغرض بتكليفه لا يتعداه.
ثم الغرض تعريضه لمنافع الثواب، فإذا لم يفعل أتي من قبل نفسه.
وتكليف النبوة الغرض فيه متعلق بغير النبي، وإن كان فيه غرض يرجع إليه