ولو نقل لعلم كما علم نفس القرآن، فلما لم يعلم دل على أنها لم تكن. وإنما قلنا ذلك لأن كل أمر لو كان لوجب أن ينقل فإذا لم ينقل قطعنا على أنه لم يكن. وبهذا يعلم أنه ليس بين بغداد والبصرة بلد أكبر منهما وأنه ليس في الشريعة صلاة سادسة ولا حج إلى بيت بخراسان، لأنها لو كانت لوجب نقلها مع سلامة الأحوال.
وإنما قلنا كان يجب نقل المعارضة لو كانت لأن الدواعي كانت تتوفر إلى نقلها، لأنها لو كانت تكون هي الحجة دون القرآن، ونقل الحجة أولى من نقل الشبهة.
على أن الذي دعى إلى المعارضة داع إلى نقلها وإظهارها، والداعي لهم إلى ذلك طلب التخليص مما ألزموه من ترك أديانهم ومفارقة عاداتهم وبطلان الرياسات التي ألفوها، ولذلك نقلوا كلام مسيلمة والأسود العنسي وطليحة مع ركاكته وسخافته وبعده عن دخول الشبهة فيه، وكيف لم ينقل ما هو حجة في نفسه إذ فيه شبهة قوية.
ولا يمكن أن يدعى فيه الخوف فيه من أنصاره وأتباعه فمنع ذلك من معارضته، لأن الخوف لا يقتضي انقطاع النقل بالكلية وإنما يمنع من المظاهرة به والمجاهرة، فكان يجب أن ينقل على وجه الاستسرار كما نقل ما يدعيه من النص الجلي وغيره.
على أن كثرة المسلمين وكثرة أنصاره كانوا بعد الهجرة، فهلا عارضوه قبل ذلك بمكة. ثم لم لم يعارضوه ويظهروه في بلاد الكفر كالروم وبلاد الفرس والهند وغيرها، فإن الكفر فيها إلى يومنا هذا، وكيف لم يمنع الخوف من نقل هجائه وسبه ومنع نقل معارضته، والكلام في ذلك استوفيناه في شرح الجمل.
ولا يمكن أن يدعى وقوع المعارضة من واحد أو اثنين وأنه قيل فلم يسمع