وليس لأحد أن يقول: إنما يحصل من الصلاح عند الرؤساء أمور دنياوية ولا يجب اللطف لأجلها وليس فيها أمر ديني يجب اللطف لأجله، وذلك إنما يحصل عند الرؤساء أمر ديني، وهو قلة الظلم ووقوع الفساد ومن تغلب القوي على الضعيف، وهذه أمور دينية يجب اللطف لأجلها وإن حصل فيها أمر دنياوي فعلى وجه التبع.
ولا يبلغ الخوف من الرؤساء إلى حد الالجاء، لأنه لو بلغ حد الالجاء لما وقع شئ من الفساد، لأن مع الالجاء لا يقع فعل ما ألجئ إليه، وكان يجب أن لا يستحق [تارك القبيح وفاعل الواجب مدحا لأن ما يقع على وجه الالجاء لا يستحق به] 1) مدحا، والمعلوم أن العقلاء يستحقون المدح بفعل الواجب وترك القبيح مع وجود الرؤساء.
ولا يقدح فيما قلنا وقوع كثير من الفساد عند نصب رئيس بعينه، لأنه إنما يقع الفساد لكراهتهم رئيسا بعينه، ولو نصب لهم من يؤثرونه ويميلون إليه لرضوا به وانقادوا له، وذلك لا يقدح في وجوب جنس الرئاسة.
ولا يلزم أيضا نصب رؤساء جماعة، لأن بهذه الطريقة إنما يعلم وجوب جنس الرئاسة، فأما عددهم وصفاتهم فإنا نرجع إلى طريقة أخرى غير اعتبار وجوب الرئاسة في الجملة.
والعقل كان يجوز نصب أئمة كثيرين في كل زمان، وإنما منع السمع والاجماع من أنه لا ينصب من يسمى إماما في كل زمان إلا واحدا ويكون باقي الرؤساء من قبله.
والذي يقطع به أن الرئاسة لطف في أفعال الجوارح التي يظهر قلتها بوجود الرؤساء وكثرتها بعدمهم، وأما أفعال القلوب فلا طريق لنا إلى كون الرئيس