السرة وفوق الركبة، فنقول: إن فسرنا المحيض بموضع الحيض على ما اخترناه كانت الآية دالة على تحريم الجماع فقط، فلا يكون فيها دلالة على تحريم ما وراءه، بل من يقول: إن تخصيص الشيء بالذكر يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه، يقول إن هذه الآية تدل على حل ما سوى الجماع، أما من يفسر المحيض بالحيض، كان تقدير الآية عنده فاعتزلوا النساء في زمان الحيض، ثم يقول ترك العمل بهذه الآية فيما فوق السرة ودون الركبة، فوجب أن يبقى الباقي على الحرمة وبالله التوفيق.
أما قوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمرهم الله) * فاعلم أن قوله: * (ولا تقربوهن) * أي ولا تجامعوهن، يقال قرب الرجل امرأته إذا جامعها، وهذا كالتأكيد لقوله تعالى: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * ويمكن أيضا حملها على فائدة جليلة جديدة وهي أن يكون قوله: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * نهيا عن المباشرة في موضع الدم وقوله: * (ولا تقربوهن) * يكون نهيا عن الالتذاذ بما يقرب من ذلك الموضع.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب الحضرمي، وأبو بكر عن عاصم (حتى يطهرن) خفيفة من الطهارة، وقرأ حمزة والكسائي * (يطهرن) * بالتشديد، وكذلك حفص عن عاصم، فمن خفف فهو زوال الدم لأن يطهرن من طهرت امرأة من حيضها، وذلك إذا انقطع الحيض، فالمعنى: لا تقربون حتى يزول عنهم الدم، ومن قرأ: * (يطهرن) * بالتشديد فهو على معنى يتطهرن فأدغم كقوله: * (يا أيها المزمل) * (المزمل: 1)، ويا أيها المدثر) * (المدثر: 1) أي المتزمل والمتدثر وبالله التوفيق. المسألة الثانية: أكثر فقهاء الأمصار على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا يحل للزوج مجامعتها إلا بعد أن تغتسل من الحيض، وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي والثوري، والمشهور عن أبي حنيفة أنها إن رأت الطهر دون عشرة أيام لم يقربها زوجها، وإن رأته لعشرة أيام جاز أن يقربها قبل الاغتسال، حجة الشافعي من وجهين.
الحجة الأولى: أن القراءة المتواترة، حجة بالإجماع، فإذا حصلت قراءتان متواترتان وأمكن الجمع بينهما، وجب الجمع بينهما.
إذا ثبت هذا فنقول: قرىء * (حتى يطهرن) * بالتخفيف وبالتثقيل * (ويطهرن) * بالتخفيف عبارة عن انقطاع الدم، وبالتثقيل عبارة عن التطهر بالماء والجمع بين الأمرين ممكن، وجب دلالة هذه الآية على وجوب الأمرين، وإذا كان وجب أن لا تنتهي هذه الحرمة إلا عند حصول الأمرين.