ظانين ولم يجعلهم حازمين؟.
وجوابه: أن السبب فيه أمور الأول: وهو قول قتادة: أن المراد من لقاء الله الموت، قال عليه الصلاة والسلام: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " وهؤلاء المؤمنون لما وطنوا أنفسهم على القتل، وغلب على ظنونهم أنهم لا يتخلصون من الموت، لا جرم قيل في صفتهم: إنهم يظنون أنهم ملاقوا الله الثاني: * (الذين يظنون أنهم ملاقوا الله) * أي ملاقوا ثواب الله بسبب هذه الطاعة، وذلك لأن أحدا لا يعلم عاقبة أمره، فلا بد أن يكون ظانا راجيا وإن بلغ في الطاعة أبلغ الأمر، إلا من أخبر الله بعاقبة أمره، وهذا قول أبي مسلم وهو حسن.
الوجه الثالث: أن يكون المعنى: قال الذين يظنون أنهم ملاقوا طاعة الله، وذلك لأن الإنسان لا يمكنه أن يكون قاطعا بأن هذا العمل الذي عمله طاعة، لأنه ربما أتى فيه بشيء من الرياء والسمعة، ولا يكون بنية خالصة فحينئذ لا يكون الفعل طاعة، إنما الممكن فيه أن يظن أنه أتى به على نعت الطاعة والإخلاص.
الوجه الرابع: أنا ذكرنا في تفسير قوله تعالى: * (أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم) * أن المراد بالسكينة على قول بعض المفسرين أنه كان في التابوت كتب إلهية نازلة على الأنبياء المتقدمين، دالة على حصول النصر والظفر لطالوت وجنوده، ولكنه ما كان في تلك الكتب أن النصر والظفر يحصل في المرة الأولى أو بعدها، فقوله: * (الذين يظنون أنهم ملاقوا الله) * يعني الذين يظنون أنهم ملاقوا وعد الله بالظفر، وإنما جعله ظنا لا يقينا لأن حصوله في الجملة وإن كان قطعا إلا أن حصوله في المرة الأولى ما كان إلا على سبيل حسن الظن.
الوجه الخامس: قال كثير من المفسرين: المراد بقوله: * (يظنون أنهم ملاقوا الله) * أنهم يعلمون ويوقنون، إلا أنه أطلق لفظ الظن على اليقين على سبيل المجاز لما بين الظن واليقين من المشابهة في تأكد الاعتقاد.
أما قوله: * (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: المراد منه تقوية قلوب الذين قالوا: * (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) * والمعنى أنه لا عبرة بكثرة العدد إنما العبرة بالتأييد الإلهي، والنصر السماوي، فإذا جاءت الدولة فلا مضرة في القلة والذلة، وإذا جاءت المحنة فلا منفعة في كثرة العدد والعدة.
المسألة الثانية: الفئة: الجماعة، لأن بعضهم قد فاء إلى بعض فصاروا جماعة، وقال الزجاج: