والجواب: أنا لو جعلنا هذا الكلام مبتدأ تطرق الخلف إلى كلام الله تعالى، لأن غير الكافرين قد يكون ظالما، أما إذا علقناه بما تقدم زال الإشكال فوجب المصير إلى تعليقه بما قبله.
التأويل الثاني: أن الكافرين إذا دخلوا النار عجزوا عن التخلص عن ذلك العذاب، فالله تعالى لم يظلمهم بذلك العذاب، بل هم الذين ظلموا أنفسهم حيث اختاروا الكفر والفسق حتى صاروا مستحقين لهذا العذاب، ونظيره قوله تعالى: * (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) * (الكهف: 49).
والتأويل الثالث: أن الكافرين هم الظالمون حيث تركوا تقديم الخيرات ليوم فاقتهم وحاجتهم وأنتم أيها الحاضرون لا تقتدوا بهم في هذا الاختيار الردئ، ولكن قدموا لأنفسكم ما تجعلونه يوم القيامة فدية لأنفسكم من عذاب الله.
والتأويل الرابع: الكافرون هم الظالمون لأنفسهم بوضع الأمور في غير مواضعها، لتوقعهم الشفاعة ممن لا يشفع لهم عند الله، فإنهم كانوا يقولون في الأوثان: * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18)، وقالوا أيضا: * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * (الزمر: 3) فمن عبد جمادا وتوقع أن يكون شفيعا له عند الله فقد ظلم نفسه حيث توقع الخير ممن لا يجوز التوقع منه.
والتأويل الخامس: المراد من الظلم ترك الإنفاق، قال تعالى: * (آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا) * (الكهف: 3) أي أعطت ولم تمنع فيكون معنى الآية والكافرون التاركون للإنفاق في سبيل الله، وأما المسلم فلا بد وأن ينفق منه شيئا قل أو كثر.
والتأويل السادس: * (والكافرون هم الظالمون) * أي هم الكاملون في الظلم البالغون المبلغ العظيم فيه كما يقال: العلماء هم المتكلمون أي هم الكاملون في العلم فكذا ههنا، وأكثر هذه الوجوه قد ذكرها القفال رحمه الله والله أعلم.