المسألة الثالثة: المعتزلة تمسكوا بهذه الآية على أن الله تعالى لا يكلف العباد إلا ما يقدرون عليه، لأنه أخبر أنه لا يكلف أحدا إلا ما تتسع له قدرته، والوسع فوق الطاقة، فإذا لم يكلفه الله تعالى ما لا تتسع له قدرته، فبأن لا يكلفه ما لا قدرة له عليه أولى.
ثم قال: * (لا تضار والدة بولدها) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتيبة عن الكسائي * (لا تضار) * بالرفع والباقون بالفتح، أما الرفع فقال الكسائي والفراء إنه نسق على قوله: * (لا تكلف) * قال علي بن عيسى: هذا غلط لأن النسق بلا إنما هو إخراج الثاني مما دخل فيه الأول نحو: ضربت زيدا لا عمرا فأما أن يقال: يقوم زيد لا يقعد عمرو، فهو غير جائز على النسق، بل الصواب أنه مرفوع على الاستئناف في النهي كما يقال: لا يضرب زيد لا تقتل عمرا وأما النصب فعلى النهي، والأصل لا تضار فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين، يقال: يضارر رجل زيدا، وذلك لأن أصل الكلمة التضعيف، فأدغمت إحدى الراءين في الأخرى، فصار لا تضار، كما تقول: لا تردد ثم تدغم فتقول: لا ترد بالفتح قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) * (المائدة: 54) وقرأ الحسن: * (لا تضار) * بالكسر وهو جائز في اللغة، وقرأ أبان عن عاصم * (لا تضار) * مطهرة الراء مكسورة على أن الفعل لها. المسألة الثانية: قوله: * (لا تضار) * يحتمل وجهين كلاهما جائز في اللغة، وإنما احتمل الوجهين نظرا لحال الإدغام الواقع في تضار أحدهما: أن يكون أصله لا تضار بكسر الراء الأولى، وعلى هذا الوجه تكون المرأة هي الفاعلة للضرار والثاني: أن يكون أصله لا تضارر بفتح الراء الأولى فتكون المرأة هي المفعول بها الضرار، وعلى الوجه الأول يكون المعنى: لا تفعل الأم الضرار بالأب بسبب إيصال الضرار إلى الولد، وذلك بأن تمتنع المرأة من إرضاعه مع أن الأب ما امتنع عليها في النفقة من الرزق والكسوة، فتلقى الولد عليه، وعلى الوجه الثاني معناه: لا تضارر، أي لا يفعل الأب الضرار بالأم فينزع الولد منها مع رغبتها في إمساكها وشدة محبتها له، وقوله: * (ولا مولود له بولده) * أي: ولا تفعل الأم الضرار بالأب بأن تلقى الولد عليه، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد، وهو أن يغيظ أحدهما صاحبه بسبب الولد.
فإن قيل: لم قال * (تضار) * والفعل لواحد؟.
قلنا لوجوه أحدها: أن معناه المبالغة، فإن إيذاء من يؤذيك أقوى من إيذاء من لا يؤذيك والثاني: لا يضار الأم والأب بأن لا ترضع الأم أو يمنعها الأب وينزعه منها والثالث: أن المقصود