كان الأمر كذلك لوجهين الأول: أن من سمح بترك حقه فهو محسن، ومن كان محسنا فقد استحق الثواب، ومن استحق الثواب نفى بذلك الثواب ما هو دونه من العقاب وأزاله والثاني: أن هذا الصنع يدعوه إلى ترك الظلم الذي هو التقوى في الحقيقة، لأن من سمح بحقه وهو له معرض تقربا إلى ربه كان أبعد من أن يظلم غيره يأخذ ما ليس له بحق، ثم قال تعالى: * (ولا تنسوا الفضل بينكم) * وليس المراد منه النهى عن النسيان لأن ذلك ليس في الوسع بل المراد منه الترك، فقال تعالى: ولا تتركوا الفضل والإفضال فيما بينكم، وذلك لأن الرجل إذا تزوج بالمرأة فقد تعلق قلبها به، فإذا طلقها قبل المسيس صار ذلك سببا لتأذيها منه، وأيضا إذا كلف الرجل أن يبذل لها مهرا من غير أن انتفع بها البتة صار ذلك سببا لتأذيه منها، فندب تعالى كل واحد منهما إلى فعل يزيل ذلك التأذي عن قلب الآخر، فندب الزوج إلى أن يطيب قلبها بأن يسلم المهر إليها بالكلية، وندب المرأة إلى ترك المهر بالكلية، ثم إنه تعالى ختم الآية بما يجرى مجرى التهديد على العادة المعلومة، فقال: * (إن الله بما تعملون بصير) *.
الحكم الرابع عشر حكم المحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى قوله تعالى * (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وقوموا لله قانتين) *.
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما بين للمكلفين ما بين من معالم دينه، وأوضح لهم من شرائع شرعه أمرهم بعد ذلك بالمحافظة على الصلوات وذلك لوجوه أحدها: أن الصلاة لما فيها من القراءة والقيام والركوع والسجود والخضوع والخشوع تفيد انكسار القلب من هيبة الله تعالى، وزوال التمرد عن الطبع، وحصول الانقياد لأوامر الله تعالى والانتهاء عن مناهيه، كما قال: * (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * (العنكبوت: 45) والثاني: أن الصلاة تذكر العبد جلالة الربوبية وذلة العبودية وأمر الثواب والعقاب فعند ذلك يسهل عليه الانقياد للطاعة ولذلك قال: * (استعينوا بالصبر والصلاة) * (البقرة: 45) والثالث: أن كل ما تقدم من بيان النكاح والطلاق والعدة اشتغال بمصالح الدنيا، فأتبع ذلك بذكر الصلاة التي هي مصالح الآخرة، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أجمع المسلمون على أن الصلاة المفروضة خمسة، وهذه الآية التي نحن في