النسوان إنما حكم الشرع بإباحة وطئهن لكم لأجل أنهن حرث لكم أي بسبب أنه يتولد الولد منها ثم قال بعده: * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * أي لما كان السبب في إباحة وطئها لكم حصول الحرث، فأتوا حرثكم، ولا تأتوا غير موضع الحرث، فكان قوله: * (فأتوا حرثكم) * دليلا على الإذن في ذلك الموضع، والمنع من غير ذلك الموضع، فلما اشتملت الآية عل الإذن في أحد الموضعين، والمنع عن الموضع الآخر، لا جرم قال: * (وقدموا لأنفسكم) * أي لا تكونوا في قيد قضاء الشهوة بل كونوا في قيد تقديم الطاعة، ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله: * (واتقوا الله) * ثم أكده ثالثا بقوله: * (واعلموا أنكم ملاقوه) * وهذه التهديدات الثلاثة المتوالية لا يليق ذكرها إلا إذا كانت مسبوقة بالنهي عن شيء لذيذ مشتهى، فثبت أن ما قبل هذه الآية دال على تحريم هذا العمل، وما بعدها أيضا دال على تحريمه، فظهر أن المذهب الصحيح في تفسير هذه الآية ما ذهب إليه جمهور المجتهدين.
أما قوله تعالى: * (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه) * فاعلم أن الكلام في التقوى قد تقدم، والكلام في تفسير لقاء الله تعالى قد تقدم في قوله: * (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) * (البقرة: 46) واعلم أنه تعالى ذكر هذه الأمور الثلاثة أولها: * (وقدموا لأنفسكم) * والمراد منه فعل الطاعات وثانيها: قوله: * (واتقوا الله) * والمراد منه ترك المحظورات وثالثها: قوله: * (واعلموا أنكم ملاقوه) * وفيه إشارة إلى أنى إنما كلفتكم بتحمل المشقة في فعل الطاعات وترك المحظورات لأجل يوم البعث والنشور والحساب، فلولا ذلك اليوم لكان تحمل المشقة في فعل الطاعات وترك المحظورات عبثا وما أحسن هذا الترتيب، ثم قال: * (وبشر المؤمنين) * والمراد منه رعاية الترتيب المعتبر في القرآن وهو أن يجعل مع كل وعيد وعدا والمعنى وبشر المؤمنين خاصة بالثواب والكرامة فحذف ذكرهما لما أنهم كالمعلوم، فصار كقوله: * (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * (الأحزاب: 47).
الحكم التاسع في الأيمان * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس