رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه غضب عليها فقاما، فجاءته هدية من لبن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فسقاهما فعلمنا أنه لم يغضب عليهما.
المسألة الثالثة: أصل الحيض في اللغة السيل يقال: حاض السيل وفاض، قال الأزهري: ومنه قيل للحوض حوض، لأن الماء يحيض إليه أي يسيل إليه، والعرب تدخل الواو على الياء والياء على الواو لأنهما من جنس واحد.
إذا عرفت هذا فنقول: إن هذا البناء قد يجيء للموضع، كالمبيت، والمقيل، والمغيب، وقد يجيء أيضا بمعنى المصدر، يقال: حاضت محيضا، وجاء مجيئا، وبات مبيتا، وحكى الواحدي في " البسيط " عن ابن السكيت: إذا كان الفعل من ذوات الثلاثة، نحو: كال يكيل، وحاض يحيض، وأشباهه فإن الاسم منه مكسور، والمصدر مفتوح من ذلك مال ممالا، وهذا مميله يذهب بالكسر إلى الاسم، وبالفتح إلى المصدر، ولو فتحهما جميعا أو كسرهما في المصدر والاسم لجاز، تقول العرب: المعاش والمعيش، والمغاب والمغيب، والمسار والمسير، فثبت أن لفظ المحيض حقيقة في موضوع الحيض، وهو أيضا اسم لنفس الحيض وإذا ثبت هذا فاعلم أن أكثر المفسرين من الأدباء زعموا أن المراد بالمحيض ههنا الحيض، وعندي أنه ليس كذلك، إذ لو كان المراد بالمحيض ههنا الحيض لكان قوله: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * معناه: فاعتزلوا النساء في الحيض، ويكون المراد فاعتزلوا النساء في زمان الحيض، فيكون ظاهره مانعا من الاستمتاع بها فيما فوق السرة ودون الركبة ولما كان هذا المنع غير ثابت لزم القول بتطرق النسخ أو التخصيص إلى الآية، ومعلوم أن ذلك خلاف الأصل أما إذا حملنا المحيض على موضع الحيض كان معنى الآية: فاعتزلوا النساء في موضع الحيض، ويكون المعنى: فاعتزلوا موضع الحيض من النساء، وعلى هذا التقدير لا يتطرق إلى الآية نسخ ولا تخصيص، ومن المعلوم أن اللفظ إذا كان مشتركا بين معنيين، وكان حمله على أحدهما يوجب محذورا وعلى الآخر لا يوجب ذلك المحذور، فإن حمل اللفظ على المعنى الذي لا يوجب المحذور أولى، هذا إذا سلمنا أن لفظ المحيض مشترك بين الموضع وبين المصدر، مع أنا نعلم أن استعمال هذا اللفظ في موضع أكثر وأشهر منه في المصدر.
فإن قيل: الدليل على أن المراد من المحيض الحيض أنه قال: * (هو أذى) * أي المحيض أذى، ولو كان المراد من المحيض الموضع لما صح هذا الوصف.
قلنا: بتقدير أن يكون المحيض عبارة عن الحيض، فالحيض في نفسه ليس بأذى لأن الحيض عبارة عن الدم المخصوص، والأذى كيفية مخصوصة، وهو عرض، والجسم لا يكون نفس