صرتم مستحقين للتهديد بقوله: * (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) * (البقرة: 209) ثم بين ذلك التهديد بقوله: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) * (البقرة: 210) ثم ثلث ذلك التهديد بقوله: * (سل بني إسرائيل) * يعني سل هؤلاء الحاضرين أنا لما آتينا أسلافهم آيات بينات فأنكروها، لا جرم استوجبوا العقاب من الله تعالى، وذلك تنبيه لهؤلاء الحاضرين على أنهم لو زلوا عن آيات الله لوقعوا في العذاب كما وقع أولئك المتقدمون فيه، والمقصود من ذكر هذه الحكاية أن يعتبروا بغيرهم، كما قال تعالى: * (فاعتبروا يا أولى الأبصار) * (الحشر: 2) وقال: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * (يوسف: 111) فهذا بيان وجه النظم.
المسألة الثالثة: فرق أبو عمرو في * (سل) * بين الاتصال بواو وفاء وبين الاستئناف، فقرأ * (سلهم) * و * (سل بني إسرائيل) * بغير همزة * (واسأل القرية) * (يوسف: 82) فاسأل الذين يقرؤن الكتاب، * (واسألوا الله من فضله) * (النساء: 32) بالهمز، وسوى الكسائي بين الكل، وقرأ الكل بغير همز وجه الفرق أن التخفيف في الاستئناف وصلة إلى أسقاط الهمزة المبتدأة وهي مستقلة وليس كذلك في الاتصال والكسائي اتبع المصحف، لأن الألف ساقطة فيها أجمع.
المسألة الرابعة: قوله: * (من آية بينة) * فيه قولان أحدها: المراد به معجزات موسى عليه السلام، نحو فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، ونتق الجبل، وتكليم الله تعالى لموسى عليه السلام من السحاب، وإنزال التوراة عليهم، وتبيين الهدى من الكفر لهم، فكل ذلك آيات بينات.
والقول الثاني: أن المعنى؛ كم آتيناهم من حجة بينة لمحمد عليه الصلاة والسلام، يعلم بها صدقه وصحة شريعته.
أما قوله تعالى: * (ومن يبدل نعمة الله) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء * (ومن يبدل) * بالتخفيف.
المسألة الثانية: قال أبو مسلم: في الآية حذف، والتقدير: كم آتيناهم من آية بينة وكفروا بها لكن لا يدل على هذا الإضمار قوله: * (ومن يبدل نعمة الله) *.
المسألة الثالثة: في نعمة الله ههنا قولان أحدهما: أن المراد آياته ودلائله وهي من أجل أقسام نعم الله لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة، ثم على هذا القول في تبديلهم إياها وجهان فمن قال المراد بالآية البينة معجزات موسى عليه السلام، قال: المراد بتبديلها أن الله تعالى أظهرها لتكون أسباب هداهم فجعلوها أسباب ضلالاتهم كقوله: * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) * (التوبة: 125)