الحيض وصفته بقوله: " دم الحيض هو الأسود المحتدم " فمتى كان الدم موصوفا بهذه الصفة كان الحيض حاصلا، فيدخل تحت قوله تعالى: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * وتحت قوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش: " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ".
الحجة الثانية: أنه تعالى قال في دم الحيض: * (هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) * ذكر وصف كونه أذى في معرض بيان العلة لوجوب الإعتزال، وإنما كان أذى للرائحة المنكرة التي فيه، واللون الفاسد وللحدة القوية التي فيه، وإذا كان وجوب الاعتزال معللا بهذه المعاني فعند حصول هذه المعاني وجب الاحتراز عملا بالعلة المذكورة في كتاب الله تعالى على سبيل التصريح، وعندي أن قول مالك قوي جدا، أما الشافعي فاحتج على أبي حنيفة وجهين:
الحجة الأولى: أنه وجد دم الحيض في اليوم بليلته وفي الزائد على العشرة بدليل أنه عليه السلام وصف دم الحيض بأنه أسود محتدم، فإذا وجد ذلك فقد حصل الحيض، فيدخل تحت عموم قوله تعالى: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * تركنا العمل بهذا الدليل في الأقل من يوم وليلة، وفي الأكثر من خمسة عشر يوما بالاتفاق بيني وبين أبي حنيفة، فوجب أن يبقى معمولا به في هذه المدة.
الحجة الثانية: للشافعي في جانب الزيادة ما روي أنه صلى الله عليه وسلم لما وصف النسوان بنقصان الدين، فسر ذلك بأن قال: تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي، وهذا يدل على أن الحيض قد يكون خمسة عشر يوما، لأن على هذا التقدير يكون الطهر أيضا خمسة عشر يوما فيكون الحيض نصف عمرها، ولو كان الحيض أقل من ذلك لما وجدت امرأة لا تصلي نصف عمرها، أجاب أبو بكر الرازي عنه من وجهين الأول: أن الشطر ليس هو النصف بل هو البعض والثاني: أنه لا يوجد في الدنيا امرأة تكون حائضا نصف عمرها، لأن ما مضى من عمرها قبل البلوغ هو من عمرها.
والجواب عن الأول: أن الشطر هو النصف، يقال: شطرت الشيء أي جعلته نصفين، ويقال في المثل: أجلب جلبا لك شطره، أي نصفه، وعن الثاني أن قوله عليه السلام: " تمكث إحداهن شطر عمرها لا نصلي " إنما يتناول زمان هي تصلي فيه، وذلك لا يتناول إلا زمان البلوغ، واحتج أبو بكر الرازي على قول أبي حنيفة من وجوه:
الحجة الأولى: ما روى عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشر أيام " قال أبو بكر: فإن صح هذا الحديث فلا معدل عنه لأحد.
الحجة الثانية: ما روى عن أنس بن مالك، وعثمان بن أبي العاص الثقفي أنهما قالا الحيض