يقال هذا من حق الله تعالى من حيث يكثر في قبول التوبة.
فإن قيل: ظاهر الآية يدل على أنه يحب تكثير التوبة مطلقا والعقل يدل على أن التوبة لا تليق إلا بالمذنب، فمن لم يكن مذنبا وجب أن لا تحسن منه التوبة.
والجواب من وجهين: الأول: أن المكلف لا يأمن البتة من التقصير، فتلزمه التوبة دفعا لذلك التقصير المجوز الثاني: قال أبو مسلم الأصفهاني * (التوبة) * في اللغة عبارة عن الرجوع ورجوع العبد إلى الله تعالى في كل الأحوال محمود اعترض القاضي عليه بأن التوبة وإن كانت في أصل اللغة عبارة عن الرجوع، إلا أنها في عرف الشرع عبارة عن الندم على ما فعل في الماضي، والترك في الحاضر، والعزم على أن لا يفعل مثله في المستقبل فوجب حمله على هذا المعنى الشرعي دون المفهوم اللغوي، ولأبي مسلم أن يجيب عنه فيقول: مرادي من هذا الجواب أنه إن أمكن حمل اللفظ على التوبة الشرعية، فقد صح اللفظ وسلم عن السؤال، وإن تعذر ذلك حملته على التوبة بحسب اللغة الأصلية، لئلا يتوجه الطعن والسؤال.
أما قوله تعالى: * (ويحب المتطهرين) * ففيه وجوه أحدها: المراد منه التنزيه عن الذنوب والمعاصي وذلك لأن التائب هو الذي فعله ثم تركه، والمتطهر هو الذي ما فعله تنزها عنه، ولا ثالث لهذين القسمين، واللفظ محتمل لذلك، لأن الذنب نجاسة روحانية، ولذلك قال: * (إنما المشركون نجس) * (التوبة: 28) فتركه يكون طهارة روحانية، وبهذا المعنى يوصف الله تعالى بأنه طاهر مطهر من حيث كونه منزها عن العيوب والقبائح، ويقال: فلان طاهر الذيل.
والقول الثاني: أن المراد: لا يأتيها في زمان الحيض، وأن لا يأتيها في غير المأتى على ما قال: * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * ومن قال بهذا القول قال: هذا أولى لأنه أليق بما قبل الآية ولأنه تعالى قال حكاية عن قوم لوط * (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) * (الأعراف: 82) فكان قوله: * (ويحب المتطهرين) * ترك الإتيان في الأدبار.
والقول الثالث: أنه تعالى لما أمرنا بالتطهر في قوله: * (فإذا تطهرن) * فلا جرم مدح المتطهر فقال: * (ويحب المتطهرين) * والمراد منه التطهر بالماء، وقد قال تعالى: * (رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين) * (التوبة: 108) فقيل في التفسير: أنهم كانوا يستنجون بالماء فأثنى الله عليهم.