إلى واحد من ذينك المذكورين: فالذين آمنوا قالوا: * (متى نصر الله) * والرسول صلى الله عليه وسلم قال: * (إلا إن نصر الله قريب) * قالوا ولهذا نظير من القرآن والشعر، أما القرآن فقوله: * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) * والمعنى: لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار، وأما من الشعر فقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدي وكرها العناب والحشف البالي فالتشبيه بالعناب للرطب وبالحشف البالي لليابس، فهذا جواب ذكره قوم وهو متكلف جدا.
المسألة السادسة: * (إلا إن نصر الله قريب) * يحتمل أن يكون جوابا من الله تعالى لهم، إذ قالوا: * (متى نصر الله) * فيكون كلامهم قد انتهى عند قوله: * (متى نصر الله) * ثم قال الله عند ذلك * (إلا إن نصر الله قريب) * ويحتمل أن يكون ذلك قولا لقوم منهم، كأنهم لما قالوا: * (متى نصر الله) * رجعوا إلى أنفسكم فعلموا أن الله لا يعلي عدوهم عليهم، فقالوا: * (ألا إن نصر الله قريب) * فنحن قد صبرنا يا ربنا ثقة بوعدك.
فإن قيل: قوله: * (ألا إن نصر الله قريب) * يوجب في حق كل من لحقه شدة أن يعلم أن سيظفر بزوالها، وذلك غير ثابت.
قلنا: لا يمتنع أن يكون هذا من خواص الأنبياء عليهم السلام، ويمكن أن يكون ذلك عاما في حق الكل، إذ كل من كان في بلاء فإنه لا بد له من أحد أمرين، إما أن يتخلص عنه، وإما أن يموت وإذا مات فقد وصل إلى من لا يهمل أمره ولا يضيع حقه، وذلك من أعظم النصر، وإنما جعله قريبا لأن الموت قريب.
قوله تعالى * (يسألونك ماذا ينفقون قل مآ أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) *.
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما بالغ في بيان أنه يجب على كل مكلف أن يكون معرضا عن طرب العاجل، وأن يكون مشتغلا بطلب الآجل، وأن يكون بحيث يبذل النفس والمال في ذلك شرع بعد ذلك في بيان الأحكام وهو من هذه الآية إلى قوله: * (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم) * (البقرة: 243)