من المراجعة إصلاح حالها، لا إيصال الضرر إليها بين أن لكل واحد من الزوجين حقا على الآخر.
واعلم أن المقصود من الزوجين لا يتم إلا إذا كان كل واحد منهما مراعيا حق الآخر، وتلك الحقوق المشتركة كثيرة، ونحن نشير إلى بعضها فأحدها: أن الزوج كالأمير والراعي، والزوجة كالمأمور والرعية، فيجب على الزوج بسبب كونه أميرا وراعيا أن يقوم بحقها ومصالحها، ويجب عليها في مقابلة ذلك إظهار الانقياد والطاعة للزوج وثانيها: روي عن ابن عباس أنه قال: " إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي " لقوله تعالى: * (ولهن مثل الذي عليهن) * وثالثها: ولهن على الزوج من إرادة الإصلاح عند المراجعة، مثل ما عليهن من ترك الكتمان فيما خلق الله في أرحامهن، وهذا أوفق لمقدمة الآية.
أما قوله تعالى: * (وللرجال عليهن درجة) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: يقال: رجل بين الرجلة، أي القوة، وهو أرجل الرجلين أي أقواهما، وفرس رجيل قوي على المشي، والرجل معروف لقوته على المشي، وارتجل الكلام أي قوي عليه من غير حاجة فيه إلى فكرة وروية، وترجل النهار قوي ضياؤه، وأما الدرجة فهي المنزلة وأصلها من درجت الشيء أدرجه درجا، وأدرجته إدراجا إذا طويته، ودرج القوم قرنا بعد قرن أي فنوا ومعناه أنهم طووا عمرهم شيئا فشيئا، والمدرجة قارعة الطريق، لأنها تطوي منزلا بعد منزل، والدرجة المنزلة من منازل الطريق، ومنه الدرجة التي يرتقي فيها.
المسألة الثانية: اعلم أن فضل الرجل على المرأة أمر معلوم، إلا أن ذكره ههنا يحتمل وجهين الأول: أن الرجل أزيد في الفضيلة من النساء في أمور أحدها: العقل والثاني: في الدية والثالث: في المواريث والرابع: في صلاحية الإمامة والقضاء والشهادة والخامس: له أن يتزوج عليها، وأن يتسرى عليها، وليس لها أن تفعل ذلك مع الزوج والسادس: أن نصيب الزوج في الميراث منها أكثر من نصيبها في الميراث منه والسابع: أن الزوج قادر على تطليقها، وإذا طلقها فهو قادر على مراجعتها، شاءت المرأة أم أبت، أما المرأة فلا تقدر على تطليق الزوج، وبعد الطلاق لا تقدر على مراجعة الزوج ولا تقدر أيضا على أن تمنع الزوج من المراجعة والثامن: أن نصيب الرجل في سهم الغنيمة أكثر من نصيب المرأة، وإذا ثبت فضل الرجل على المرأة في هذه الأمور، ظهر أن المرأة كالأسير العاجز في يد الرجل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان " وفي خبر آخر: اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة، وكان معنى الآية أنه لأجل ما جعل الله للرجال من الدرجة عليهن في الاقتدار كانوا مندوبين إلى أن يوفوا من حقوقهن