للبعث والقيامة، فلا جرم كان منكرا للبعثة والتكليف، وما كان يعبد شيئا من الأوثان، والذين كانوا يعبدون الأوثان فيهم من كانوا يقولون: إنها شركاء الله في الخلق وتدبير العالم، بل كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله فثبت أن الأكثرين منهم كانوا مقرين بأن إله العالم واحد وأنه ليس له في الإلهية معين في خلق العالم وتدبيره وشريك ونظير إذا ثبت هذا ظهر أن وقوع اسم المشرك على الكافر ليس من الأسماء اللغوية، بل من الأسماء الشرعية، كالصلاة والزكاة وغيرهما، وإذا كان كذلك وجب اندراج كل كافر تحت هذا الاسم، فهذا جملة الكلام في هذه المسألة وبالله التوفيق.
المسألة الرابعة: الذين قالوا: إن اسم المشرك لا يتناول إلا عبدة الأوثان قالوا: إن قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات) * نهى عن نكاح الوثنية، أما الذين قالوا: إن اسم المشرك يتناول جميع الكفار قالوا: ظاهر قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات) * يدل على أنه لا يجوز نكاح الكافرة أصلا، سواء كانت من أهل الكتاب أو لا، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا فالأكثرون من الأئمة قالوا إنه يجوز للرجل أن يتزوج بالكتابية، وعن ابن عمر ومحمد بن الحنفية والهادي وهو أحد الأئمة الزيدية أن ذلك حرام، حجة الجمهور قوله تعالى في سورة المائدة: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) * (المائدة: 5) وسورة المائدة كلها ثابتة لم ينسخ منها شيء قط.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد منه: من آمن بعد أن كان من أهل الكتاب؟.
قلنا: هذا لا يصح من قبل أنه تعالى أو لا أحل المحصنات من المؤمنات، وهذا يدخل فيه من آمن منهن بعد الكفر، ومن كن على الإيمان من أول الأمر، ولأن قوله: * (من الذين أوتوا الكتاب) * (البقرة: 101) يفيد حصول هذا الوصف في حالة الإباحة، ومما يدل على جواز ذلك ما روي أن الصحابة كانوا يتزوجون بالكتابيات، وما ظهر من أحد منهم إنكار على ذلك، فكان هذا إجماعا على الجواز.
نقل أن حذيفة تزوج بيهودية أو نصرانية، فكتب إليه عمر أن خل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنها حرام؟ فقال: لا ولكنني أخاف.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا " ويدل عليه أيضا الخبر المشهور، وهو ما روى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال في المجوس: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم " ولو لم يكن نكاح نسائهم جائزا لكان هذا الاستثناء عبثا، واحتج القائلون بأنه لا يجوز بأمور أولها: أن لفظ المشرك يتناول الكتابية على ما بيناه فقوله: * (ولا تنكحوا