لا محالة أولى وأقوى.
أما قوله: * (فلما كتب عليهم القتال تولوا) * فاعلم أن في الكلام محذوفا تقديره: فسأل الله تعالى ذلك فبعث لهم ملكا وكتب عليهم القتال فتولوا.
أما قوله: * (إلا قليلا منهم) * فهم الذين عبروا منهم النهر وسيأتي ذكرهم، وقيل: كان عدد هذا القليل ثلثمائة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر * (والله عليم بالظالمين) * أي هو عالم بمن ظلم نفسه حين خالف ربه ولم يف بما قيل من ربه، وهذا هو الذي يدل على تعلق هذه الآية بقوله قبل ذلك:
* (وقاتلوا في سبيل الله) * فكأنه تعالى أكد وجوب ذلك بأن ذكر قصة بني إسرائيل في الجهاد وعقب ذلك بأن من تقدم على مثله فهو ظالم والله أعلم بما يستحقه الظالم وهذا بين في كونه زجرا عن مثل ذلك في المستقبل وفي كونه بعثا على الجهاد، وأن يستمر كل مسلم على القيام بذلك والله أعلم.
قوله تعالى * (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشآء والله واسع عليم) *.
اعلم أنه لما بين في الآية الأولى أنه أجابهم إلى ما سألوا، ثم إنهم تولوا فبين أن أول ما تولوا إنكارهم إمرة طالوت، وذلك لأنهم طلبوا من نبيهم أن يطلب من الله أن يعين لهم ملكا فأجابهم بأن الله قد بعث لهم طالوت ملكا، قال صاحب " الكشاف ": طالوت اسم أعجمي، كجالوت، وداود وإنما امتنع من الصرف لتعريفه وعجمته، وزعموا أنه من الطول لما وصف به من البسطة في الجسم، ووزنه إن كان من الطول فعلوت، وأصله طولوت، إلا أن امتناع صرفه يدفع أن يكون منه، إلا أن يقال: هو اسم عبراني وافق عربيا كما وافق حطة حنطة، وعلى هذا التقدير يكون أحد سببية العجمة لكونه عبرانيا، ثم إن الله تعالى لما عينه لأن يكون ملكا لهم أظهروا التولي عن طاعته، والإعراض عن حكمه، وقالوا: * (أنى يكون له الملك علينا) * واستبعدوا جدا أن يكون هو