أكثر، فكان ذكر ذلك كالتهديد للرجال في الإقدام على مضارتهن وإيذائهن، وذلك لأن كل من كانت نعم الله عليه أكثر، كان صدور الذنب عنه أقبح، واستحقاقه للزجر أشد.
والوجه الثاني: أن يكون المراد حصول المنافع واللذة مشترك بين الجانبين، لأن المقصود من الزوجية السكن والألفة والمودة، واشتباك الأنساب واستكثار الأعوان والأحباب وحصول اللذة، وكل ذلك مشترك بين الجانبين بل يمكن أن يقال: إن نصيب المرأة فيها أوفر، ثم إن الزوج اختص بأنواع من حقوق الزوجة، وهي التزام المهر والنفقة، والذب عنها، والقيام بمصالحها، ومنعها عن مواقع الآفات، فكان قيام المرأة بخدمة الرجل آكد وجوبا، رعاية لهذه الحقوق الزائدة وهذا كما قال تعالى: * (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) * (النساء: 34) وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أمرت أحدا بالسجود لغير الله لأمرت المرأة بالسجود لزوجها " ثم قال تعالى: * (والله عزيز حكيم) * أي غالب لا يمنع، مصيب أحكامه وأفعاله، لا يتطرق إليهما احتمال العبث والسفه والغلط والباطل.
قوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) *.
اعلم أن هذا هو الحكم الثالث من أحكام الطلاق، وهو الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ثم يراجعها قبل أن تنقضي عدتها، ولو طلقها ألف مرة كانت القدرة على المراجعة ثابتة له، فجاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها، فشكت أن زوجها يطلقها ويراجعها يضارها بذلك، فذكرت عائشة رضي الله عنها ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تعالى: * (الطلاق مرتان) *.
المسألة الثانية: اختلف المفسرون في أن هذا الكلام حكم مبتدأ وهو متعلق بما قبله، قال قوم: إنه حكم مبتدأ، ومعناه أن التطليق الشرعي يجب أن يكون تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة، وهذا التفسير هو قول من قال: الجمع بين الثلاث حرام، وزعم أبو زيد الدبوسي في الأسرار: أن هذا هو قول عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعمران بن الحصين، وأبي موسى الأشعري، وأبي الدرداء وحذيفة.