كذبوا نافعا في هذه الرواية، وهذا قول مالك، واختيار السيد المرتضى من الشيعة، والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، وحجة من قال: إنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن من وجوه:
الحجة الأولى: أن الله تعالى قال في آية المحيض: * (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) * (البقرة: 222) جعل قيام الأذى علة لحرمة إتيان موضع الأذى، ولا معنى للأذى إلا ما يتأذى الإنسان منه وههنا يتأذى الإنسان بنتن روائح ذلك الدم وحصول هذه العلة في محل النزاع أظهر فإذا كانت تلك العلة قائمة ههنا وجب حصول الحرمة.
الحجة الثانية: قوله تعالى: * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * (البقرة: 222) وظاهر الأمر للوجوب، ولا يمكن أن يقال: إنه يفيد وجوب إتيانهن لأن ذلك غير واجب، فوجب حمله على أن المراد منه أن من أتى المرأة وجب أن يأتيها في ذلك الموضع الذي أمر الله تعالى به ثم هذا غير محمول على الدبر، لأن ذلك بالإجماع غير واجب فتعين أن يكون محمولا على القبل، وذلك هو المطلوب.
الحجة الثالثة: روى خزيمة بن ثابت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلال، فلما ولى الرجل دعاه فقال: كيف قلت في أي الخربتين، أو في أي الخرزتين، أو في أي الخصفتين، أو من قبلها في قبلها فنعم، أمن دبرها في قبلها فنعم، أمن دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحي من الحق: " لا تؤتوا النساء في أدبارهن " وأراد بخربتها مسلكها، وأصل الخربة عروة المزادة شبه الثقب بها، والخرزة هي التي يثقبها الخراز، كنى به عن المأتي، وكذلك الخصفة من قولهم: خصفت الجلد إذا خرزته، حجة من قال بالجواز وجوه:
الحجة الأولى: التمسك بهذه الآية من وجهين الأول: أنه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة فقال: * (نساؤكم حرث لكم) * فهذا يدل على أن الحرث اسم للمرأة لا للموضع المعين، فلما قال بعده: * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * كان المراد فأتوا نساءكم أنى شئتم فيكون هذا إطلاقا في إتيانهن على جميع الوجوه، فيدخل فيه محل النزاع.
الوجه الثاني: أن كلمة * (أنى) * معناها أين، قال الله تعالى: * (أنى لك هذا قالت هو من عند الله) * (الأعراف: 37 خ والتقدير: من أين لك هذا فصار تقدير الآية: فأتوا حرثكم أين شئتم وكلمة: أين شئتم، تدل على تعدد الأمكنة: اجلس أين شئت ويكون هذا تخييرا بين الأمكنة.
إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنه لا يمكن حمل الآية على الإتيان من قبلها في قبلها، أو من دبرها