قوله تعالى * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهمآ أن يتراجعآ إن ظنآ أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) *.
اعلم أن هذا هو الحكم الخامس من أحكام الطلاق، وهو بيان أن الطلقة الثالثة قاطعة لحق الرجعة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الذين قالوا: إن قوله * (أو تسريح بإحسان) * (البقرة: 229) إشارة إلى الطلقة الثالثة قالوا إن قوله: * (فإن طلقها) * تفسير لقوله: * (تسريح بإحسان) * وهذا قول مجاهد، إلا أنا بينا أن الأولى أن لا يكون المراد من قوله: * (تسريح بإحسان) * الطلقة الثالثة، وذلك لأن للزوج مع المرأة بعد الطلقة الثانية أحوالا ثلاثة أحدها: أن يراجعها، وهو المراد بقوله: * (فإمساك بمعروف) * (البقرة: 229) والثاني: أن لا يراجعها بل يتركها حتى تنقضي العدة وتحصل البينونة، وهو المراد بقوله: * (أو تسريح بإحسان) * والثالث: أن يطلقها طلقة ثالثة، وهو المراد بقوله: * (فإن طلقها) * فإذا كانت الأقسام ثلاثة، والله تعالى ذكر ألفاظا ثلاثة وجب تنزيل كل واحد من الألفاظ الثلاثة على معنى من المعاني الثلاثة، فأما إن جعلنا قوله: * (أو تسريح بإحسان) * عبارة عن الطلقة الثالثة كنا قد صرفنا لفظين إلى معنى واحد على سبيل التكرار، وأهملنا القسم الثالث، ومعلوم أن الأول أولى.
واعلم أن وقوع آية الخلع فيما بين هاتين الآيتين كالشئ الأجنبي، ونظم الآية * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان * فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) *.
فإن قيل: فإذا كان النظم الصحيح هو هذا فما السبب في إيقاع آية الخلع فيما بين هاتين الآيتين؟.
قلنا: السبب أن الرجعة والخلع لا يصحان إلا قبل الطلقة الثالثة، أما بعدها فلا يبقى شيء من ذلك: فلهذا السبب ذكر الله حكم الرجعة، ثم أتبعه بحكم الخلع، ثم ذكر بعد الكل حكم الطلقة الثالثة لأنها كالخاتمة لجميع الأحكام المعتبرة في هذا الباب والله أعلم.
المسألة الثانية: مذهب جمهور المجتهدين أن المطلقة بالثلاث لا تحل لذلك الزوج إلا بخمس