الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون - إلى قوله - فاليوم الذين آمنوا) * (المطففين: 29 - 34) الآية ورابعها: أن سخرية المؤمنين بالكفار يوم القيامة فوق سخرية الكافرين بالمؤمنين في الدنيا لأن سخرية الكافر بالمؤمن باطلة، وهي مع بطلانها منقضية، وسخرية المؤمن بالكافر في الآخرة حقة ومع حقيتها هي دائمة باقية.
السؤال الثالث: هل تدل الآية على القطع بوعيد الفساد فإن لقائل أن يقول: إنه تعالى خص الذين اتقوا بهذه الفوقية فالذين لا يكونون موصوفين بالتقوى وجب أن لا تحصل لهم هذه الفوقية وإن لم تحصل هذه الفوقية كانوا من أهل النار.
الجواب: هذا تمسك بالمفهوم، فلا يكون أقوى في الدلالة من العمومات التي بينا أنها مخصوصة بدلائل العفو.
أما قوله تعالى: * (والله يرزق من يشاء بغير حساب) * فيحتمل أن يكون المراد منه ما يعطي الله المتقين في الآخرة من الثواب، ويحتمل أن يكون المراد ما يعطي في الدنيا أصناف عبيده من المؤمنين والكافرين فإذا حملناه على رزق الآخرة احتمل وجوها أحدها: أنه يرزق من يشاء في الآخرة، وهم المؤمنون بغير حساب، أي رزقا واسعا رغدا لا فناء له، ولا انقطاع، وهو كقوله: * (فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) * (غافر: 40) فإن كل ما دخل تحت الحساب والحصر والتقدير فهو متناه، فما لا يكون متناهيا كان لا محالة خارجا عن الحساب وثانيها: أن المنافع الواصلة إليهم في الجنة بعضها ثواب وبعضها تفضل كما قال: * (فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) * (النساء: 173) فالفضل منه بلا حساب وثالثها: أنه لا يخاف نفادها عنده، فيحتاج إلى حساب ما يخرج منه، لأن المعطي إنما يحاسب ليعلم لمقدار ما يعطي وما يبقي، فلا يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به، والله لا يحتاج إلى الحساب، لأنه عالم غني لا نهاية لمقدوراته ورابعها: أنه أراد بهذا رزق أهل الجنة، وذلك لأن الحساب إنما يحتاج إليه إذا كان بحيث إذا أعطى شيئا انتقص قدر الواجب عما كان، والثواب ليس كذلك فإنه بعد انقضاء الأدوار والأعصار يكون الثواب المستحق بحكم الوعد والفضل باقيا، فعلى هذا لا يتطرق الحساب البتة إلى الثواب وخامسها: أراد أن الذي يعطي لا نسبة له إلى ما في الخزانة لأن الذي يعطي في كل وقت يكون متناهيا لا محالة، والذي في خزانة قدرة الله غير متناه والمتناهي لا نسبة له إلى غير المتناهي فهذا هو المراد من قوله: * (بغير حساب) * وهو إشارة إلى أنه لا نهاية لمقدورات الله تعالى وسادسها: * (بغير حساب) * أي بغير استحقاق يقال لفلان على فلان حساب إذا كان له عليه حق، وهذا يدل على أنه لا يستحق عليه أحد شيئا، وليس لأحد معه حساب بل