المسألة الثانية: قرىء * (كلم الله) * بالنصب، والقراءة الأولى أدل على الفضل، لأن كل مؤمن فإنه يكلم الله على ما قال عليه السلام: " المصلي مناج ربه " إنما الشرف في أن يكلمه الله تعالى، وقرأ اليماني: * (كالم الله) * من المكالمة، ويدل عليه قولهم: كليم الله بمعنى مكالمه.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أن من كلمه الله فالمسموع هو الكلام القديم الأزلي، الذي ليس بحرف ولا صوت أم غيره؟ فقال الأشعري وأتباعه: المسموع هو ذلك فإنه لما لم يمتنع رؤية ما ليس بمكيف، فكذا لا يستبعد سماع ما ليس بمكيف، وقال الماتريدي: سماع ذلك الكلام محال، وإنما المسموع هو الحرف والصوت.
المسألة الرابعة: اتفقوا على أن موسى عليه السلام مراد بقوله تعالى: * (منهم من كلم الله) * قالوا وقد سمع من قوم موسى السبعون المختارون وهم الذين أرادهم الله بقوله: * (واختار موسى قومه سبعين رجلا) * (الأعراف: 155) وهل سمعه محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؟ اختلفوا فيه منهم من قال: نعم بدليل قوله: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * (النجم: 10).
فإن قيل: إن قوله تعالى: * (منهم من كلم الله) * المقصود منه بيان غاية منقبة أولئك الأنبياء الذين كلم الله تعالى، ولهذا السبب لما بالغ في تعظيم موسى عليه السلام، قال: * (وكلم الله موسى تكليما) * ثم جاء في القرآن مكالمة بين الله وبين إبليس، حيث قال: * (انظرني إلى يوم يبعثون لله * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم) * (ص: 79 - 81) إلى آخر هذه الآيات وظاهر هذه الآيات يدل على مكالمة كثيرة بين الله وبين إبليس فإن كان ذلك يوجب غاية الشرف فكيف حصل لإبليس الذم وإن لم يوجب شرفا فكيف ذكره في معرض التشريف لموسى عليه السلام حيث قال: * (وكلم الله موسى تكليما) *؟. والجواب: أن قصة إبليس ليس فيها ما يدل على أنه تعالى قال تلك الجوابات معه من غير واسطة فلعل الواسطة كانت موجودة.
أما قوله تعالى: * (ورفع بعضهم درجات) * ففيه قولان الأول: أن المراد منه بيان أن مراتب الرسل متفاوتة، وذلك لأنه تعالى اتخذ إبراهيم خليلا، ولم يؤت أحدا مثله هذه الفضيلة، وجمع لداود الملك والنبوة ولم يحصل هذا لغيره، وسخر لسليمان الإنس والجن والطير والريح، ولم يكن هذا حاصلا لأبيه داود عليه السلام، ومحمد عليه السلام مخصوص بأنه مبعوث إلى الجن والإنس وبأن شرعه ناسخ لكل الشرائع، وهذا إن حملنا الدرجات على المناصب والمراتب، أما إذا حملناها على المعجزات ففيه أيضا وجه، لأن كل واحد من الأنبياء أوتي نوعا آخر من المعجزة لائقا بزمانه فمعجزات موسى عليه السلام، وهي قلب العصا حية، واليد البيضاء، وفلق البحر، كان كالشبيه بما