المسألة الثانية: الخير هو النفع الحسن: والمعنى: أن الشركة لو كانت ثابتة في المال والجمال والنسب، فالأمة المؤمنة خير منها لأن الإيمان متعلق بالدين والمال والجمال والنسب متعلق بالدنيا والدين خير من الدنيا ولأن الدين أشرف الأشياء عند كل أحد فعند التوافق في الدين تكمل المحبة فتكمل منافع الدنيا من الصحة والطاعة وحفظ الأموال والأولاد وعند الاختلاف في الدين لا تحصل المحبة، فلا يحصل شيء من منافع الدنيا من تلك المرأة، وقال بعضهم المراد ولأمة مؤمنة خير من حركة مشركة، واعلم أنه لا حاجة إلى هذا التقدير لوجهين أحدهما: أن اللفظ مطلق والثاني: أن قوله: * (ولو أعجبتكم) * يدل على صفة الحرية، لأن التقدير: ولو أعجبتكم بحسنها أو مالها أو حريتها أو نسبها، فكل ذلك داخل تحت قوله: * (ولو أعجبتكم) *.
المسألة الثالثة: قال الجبائي: إن الآية دالة على أن القادر على طول الحرة يجوز له التزوج بالأمة على ما هو مذهب أبي حنيفة، وذلك لأن الآية دلت على أن الواجد لطول الحرة المشركة يجوز له التزوج بالأمة لكن الواجد لطول الحرة المشركة يكون لا محالة واجدا لطول الحرة المسلمة لأن سبب التفاوت في الكفر والإيمان لا يتفاوت بقدر المال المحتاج إليه في أهبة النكاح، فيلزم قطعا أن يكون الواجد لطول الحرة المسلمة يجوز له نكاح الأمة، وهذا استدلال لطيف في هذه المسألة. المسألة الرابعة: في الآية إشكال وهو أن قوله: * (ولا تنكحوا المشركات) * يقتضي حرمة نكاح المشركة، ثم قوله: * (ولأمة مؤمنة خير من مشركة) * يقتضي جواز التزوج بالمشركة لأن لفظة أفعل تقتضي المشاركة في النفع ولأحدهما مزية.
قلنا: نكاح المشركة مشتمل على منافع الدنيا، ونكاح المؤمنة مشتمل على منافع الآخرة، والنفعان يشتركان في أصل كونهما نفعا، إلا أن نفع الآخرة له المزية العظمى، فاندفع السؤال والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) * فلا خلاف ههنا أن المراد به الكل وأن المؤمنة لا يحل تزويجها من الكافر البتة على اختلاف أنواع الكفرة.
وقوله: * (ولعبد مؤمن خير من مشرك) * فالكلام فيه على نحو ما تقدم.
أما قوله: * (أولئك يدعون إلى النار) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: هذه الآية نظير قوله: * (ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) * (غافر: 41).
فإن قيل: فكيف يدعون إلى النار وربما لم يؤمنوا بالنار أصلا، فكيف يدعون إليها.