فيضمر لفظة: من، لا يقال ليس حمل لفظ الحرث على حقيقته، والتزام هذا الإضمار أولى من حمل لفظ الحرث على المرأة على سبيل المجاز، حتى لا يلزمنا هذا الإضمار لأن نقول: بل هذا أولى، لأن الأصل في الإبضاع الحرمة.
وأما الثالث: فجوابه: أن قوله: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * (المؤمنون: 6) عام، ودلائلنا خاصة، والخاص مقدم على العام.
وأما الرابع: فجوابه: أن قوله: دبرك على حرام، إنما صلح أن يكون كناية عن الطلاق، لأنه محل لحل الملابسة والمضاجعة، فصار ذلك كقوله: يدك طالق، والله أعلم.
المسألة الرابعة: اختلف المفسرون في تفسير قوله: * (أنى شئتم) * والمشهور ما ذكرناه أنه يجوز للزوج أن يأتيها من قبلها في قبلها، ومن دبرها في قبلها والثاني: أن المعنى: أي وقت شئتم من أوقات الحل: يعنى إذا لم تكن أجنبية، أو محرمة، أو صائمة، أو حائضا والثالث: أنه يجوز للرجل أن ينكحها قائمة أو باركة، أو مضطجعة، بعد أن يكون في الفرج الرابع: قال ابن عباس: المعنى إن شاء، وإن شاء لم يعزل، وهو منقول عن سعيد بن المسيب الخامس: متى شئتم من ليل أو نهار.
فإن قيل: فما المختار من هذه الأقاويل؟.
قلنا: قد ظهر عن المفسرين أن سبب نزول هذه الآية هو أن اليهود كانوا يقولون: من أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله تعالى هذا لتكذيب قولهم، فكان الأولى حمل اللفظ عليه، وأما الأوقات فلا مدخل لها في هذا الباب، لأن * (أنى) * يكون بمعنى * (متى) * ويكون بمعنى * (كيف) * وأما العزل وخلافه فلا يدخل تحت * (أنى) * لأن حال الجماع لا يختلف بذلك، فلا وجه لحمل الكلام إلا على ما قلنا.
أما قوله: * (وقدموا لأنفسكم) * فمعناه: افعلوا ما تستوجبون به الجنة والكرامة ونظيره أن يقول الرجل لغيره: قدم لنفسك عملا صالحا، وهو كقوله: * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * (البقرة: 197) ونظير لفظ التقديم ما حكى الله تعالى عن فريق من أهل النار وهو قوله: * (قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار) * (ص: 60).
فإن قيل: كيف تعلق هذا الكلام بما قبله؟.
قلنا: نقل عن ابن عباس أنه قال: معناه التسمية عند الجماع وهو في غاية البعد، والذي عندي فيه أن قوله: * (نساؤكم حرث لكم) * جار مجرى التنبيه على سبب إباحة الوطء، كأنه قيل: هؤلاء