أحد يراعيها فكأنه تعالى قال: لما لم يكن له أحد يتكفل بمصالحه فأنا ذلك المتكفل وأنا المطالب لوليه، وقيل: والله يعلم المصلح الذي يلي من أمر اليتيم ما يجوز له بسببه الانتفاع بماله ويعلم المفسد الذي لا يلي من إصلاح أمر اليتيم ما يجوز له بسببه الانتفاع بماله، فاتقوا أن تتناولوا من مال اليتيم شيئا من غير إصلاح منكم لمالهم.
أما قوله تعالى: * (ولو شاء الله لأعنتكم) * ففيه مسائل: المسألة الأولى: " الإعنات " الحمل على مشقة لا تطاق يقال: أعنت فلان فلانا إذا أوقعه فيما لا يستطيع الخروج منه وتعنته تعنتا إذا لبس عليه في سؤاله، وعنت العظم المجبور إذا انكسر بعد الجبر وأصل * (العنت) * من المشقة، وأكمة عنوت إذا كانت شاقة كدودا، ومنه قوله تعالى: * (عزيز عليه ما عنتم) * (التوبة: 128) أي شديد عليه ما شق عليكم، ويقال أعنتني في السؤال أي شدد علي وطلب عنتي وهو الإضرار وأما المفسرون فقال ابن عباس: لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا وقال عطاء: ولو شاء الله لأدخل عليكم المشقة كما أدخلتم على أنفسكم ولضيق الأمر عليكم في مخالطتهم، وقال الزجاج: ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم.
المسألة الثانية: احتج الجبائي بهذه الآية، فقال: إنها تدل على أنه تعالى لم يكلف العبد بما لا يقدر عليه، لأن قوله: * (ولو شاء الله لأعنتكم) * يدل على أنه تعالى لم يفعل الإعنات والضيق في التكليف، ولو كان مكلفا بما لا يقدر العبد عليه لكان قد تجاوز حد الإعنات وحد الضيق.
واعلم أن وجه هذا الاستدلال أن كلمة * (لو) * تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، ثم سألوا أنفسهم بأن هذه الآية وردت في حق اليتيم، وأجابوا عنه بأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأيضا فولى هذا اليتيم قد لا يفعل تعالى فيه قدرة الإصلاح، لأن هذا هو قولهم فيمن يختار خلاف الإصلاح وإذا كان كذلك فكيف يجوز أن يقول تعالى فيه خاصة * (ولو شاء الله لأعنتكم) * مع أنه كلفه بما لا يقدر عليه، ولا سبيل له إلى فعله، وأيضا فالإعنات لا يصح إلا فيمن يتمكن من الشيء فيشق عليه ويضيق، فأما من لا يتمكن البتة فذلك لا يصح فيه، وعند الخصم الولي إذا اختار الصلاح فإنه لا يمكنه فعل الفساد، وإذا لم يقدر على الفساد لا يصح أن يقال فيه * (ولو شاء الله لأعنتكم) *.
والجواب عنه: المعارضة بمسألة العلم والداعي والله أعلم.
المسألة الثالثة: احتج الكعبي بهذه الآية على أنه تعالى قادر على خلاف العدل، لأنه لو امتنع