وهذا بخلاف الآيتين في الجمع بين الأختين في ملك اليمين، لأن كل واحدة من تينك الآيتين أخص من الأخرى من وجه وأعم من وجه آخر، فلم يحصل سبب الترجيح فيه.
أما قوله ههنا: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) * (المائدة: 5) أخص من قوله: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * مطلقا، فوجب حصول الترجيح.
وأما التمسك بقوله تعالى: * (فقد حبط عمله) * (المائدة: 5).
فجوابه: أنا لما فرقنا بين الكتابية وبين المرتدة في أحكام كثيرة، فلم لا يجوز الفرق بينهما أيضا في هذا الحكم؟.
وأما التمسك بأثر عمر فقد نقلنا عنه أنه قال: ليس بحرام، وإذا حصل التعارض سقط الاستدلال والله أعلم.
المسألة الخامسة: اتفق الكل على أن المراد من قوله: * (حتى يؤمن) * الإقرار بالشهادة والتزام أحكام الإسلام، وعند هذا احتجت الكرامية بهذه الآية على أن الإيمان عبارة عن مجرد الإقرار وقالوا إن الله تعالى جعل الإيمان ههنا غاية التحريم والذي هو غاية التحريم ههنا الإقرار، فثبت أن الإيمان في عرف الشرع عبارة عن الإقرار، واحتج أصحابنا على فساد هذا المذهب بوجوه: أحدها: أنا بينا بالدلائل الكثيرة في تفسير قوله: * (الذين يؤمنون بالغيب) * (البقرة: 3) أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب وثانيها: قوله تعالى: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنون) * (البقرة: 11) ولو كان الإيمان عبارة عن مجرد الإفراد لكان قوله تعالى: * (ما هم بمؤمنين) * كذبا وثالثها: قوله: * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا) * (الحجرات: 14) ولو كان الإيمان عبارة عن مجرد الإقرار لكان قوله: * (قل لم تؤمنوا) * كذبا، ثم أجابوا عن تمسكهم بهذه الآية بأن التصديق الذي في القلب لا يمكن الاطلاع عليه فأقيم الإقرار باللسان مقام التصديق بالقلب.
المسألة السادسة: نقل عن الحسن أنه قال: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من تزويج المشركات قال القاضي: كونهم قبل نزول هذه الآية مقدمين على نكاح المشركات إن كان على سبيل العادة لا من قبل الشرع امتنع وصف هذه الآية بأنها ناسخة، لأنه ثبت في أصول الفقه أن الناسخ والمنسوخ يجب أن يكون حكمين شرعيين، أما إن كان جواز نكاح المشركة قبل نزول هذه الآية ثابتا من قبل الشرع كانت هذه الآية ناسخة.
أما قوله تعالى: * (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو مسلم: اللام في قوله: * (ولأمة) * في إفادة التوكيد تشبه لام القسم.