فاجتمع إليه ممن اختار ثمانون ألفا.
أما قوله تعالى: * (قال إن الله مبتليكم بنهر) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أن هذا القائل من كان فقال الأكثرون: أنه هو طالوت وهذا هو الأظهر لأن قوله لا بد وأن يكون مسندا إلى مذكور سابق، والمذكور السابق هو طالوت، ثم على هذا يحتمل أن يكون القول من طالوت لكنه تحمله من نبي الوقت، وعلى هذا التقدير لا يلزم أن يكون طالوت نبيا ويحتمل أن يكون من قبل نفسه فلا بد من وحي أتاه عن ربه، وذلك يقتضي أنه مع الملك كان نبيا.
والقول الثاني: أن قائل هذا القول هو النبي المذكور في أول الآية، والتقدير: فلما فصل طالوت بالجنود قال لهم نبيهم: * (إن الله مبتليكم بنهر) * ونبي ذلك الوقت هو اشمويل عليه السلام.
المسألة الثانية: في حكمة هذا الابتلاء وجهان الأول: قال القاضي: كان مشهورا من بني إسرائيل أنهم يخالفون الأنبياء والملوك مع ظهور الآيات الباهرة فأراد الله تعالى إظهار علامة قبل لقاء العدو يتميز بها من يصبر على الحرب ممن لا يصبر لأن الرجوع قبل لقاء العدو لا يؤثر كتأثيره حال لقاء العدو، فلما كان هذا هو الصلاح قبل مقاتلة العدو لا جرم قال: * (فإن الله مبتليكم بنهر) * الثاني: أنه تعالى ابتلاهم ليتعودوا الصبر على الشدائد.
المسألة الثالثة: في النهر أقوال أحدها: وهو قول قتادة والربيع، أنه نهر بين الأردن وفلسطين والثاني: وهو قول ابن عباس والسدي: أنه نهر فلسطين، قال القاضي: والتوفيق بين القولين أن النهر الممتد من بلد قد يضاف إلى أحد البلدين.
القول الثالث: وهو الذي رواه صاحب " الكشاف ": أن الوقت كان قيظا فسلكوا مفازة فسألوا الله أن يجري لهم نهرا فقال: إن الله مبتليكم بما اقترحتموه من النهر.
المسألة الرابعة: قوله: * (مبتليكم بنهر) * أي ممتحنكم امتحان العبد كما قال: * (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) * (الإنسان: 2) ولما كان الابتلاء بين الناس إنما يكون لظهور الشيء، وثبت أن الله تعالى لا يثبت، ولا يعاقب على علمه، إنما يفعل ذلك بظهور الأفعال بين الناس، وذلك لا يحصل إلا بالتكليف لا جرم سمي التكليف ابتلاء، وفيه لغتان بلا يبلو، وابتلى يبتلي، قال الشاعر: ولقد بلوتك وابتليت خليفتي * ولقد كفاك مودتي بتأدب فجاء باللغتين.
المسألة الخامسة: نهر ونهر بتسكين الهاء وتحريكها لغتان، وكل ثلاثي حشوه حرف