عدوا قال: " اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم " وكان يقول: " اللهم بك أصول وبك أجول ".
المسألة الثالثة: الإفراغ الصب، يقال: أفرغت الإناء إذا صببت ما فيه، وأصله من الفراغ، يقال: فلان فارغ معناه أنه خال مما يشغله، والإفراغ إخلاء الإناء مما فيه، وإنما يخلو بصب كل ما فيه.
إذا عرفت هذا فنقول قوله: * (أفرغ علينا صبرا) * يدل على المبالغة في طلب الصبر من وجهين أحدهما: أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه، وهذا يدل على التأكيد والثاني: أن إفراغ الإناء هو إخلاؤه، وذلك يكون بصب كل ما فيه، فمعنى: أفرغ علينا صبرا: أي أصبب علينا أتم صب وأبلغه. المسألة الرابعة: اعلم أن الأمور المطلوبة عند المحاربة مجموع أمور ثلاثة فأولها: أن يكون الإنسان صبورا على مشاهدة المخاوف والأمور الهائلة، وهذا هو الركن الأعلى للمحارب فإنه إذا كان جبانا لا يحصل منه مقصود أصلا وثانيها: أن يكون قد وجد من الآلات والأدوات والاتفاقات الحسنة مما يمكنه أن يقف ويثبت ولا يصير ملجأ إلى الفرار وثالثها: أن تزداد قوته على قوة عدوه حتى يمكنه أن يقهر العدو.
إذا عرفت هذا فنقول المرتبة الأولى: هي المراد من قوله: * (أفرغ علينا صبرا) * والثانية: هي المراد بقوله: * (وثبت أقدامنا) * والثالثة: هي المراد بقوله: * (وانصرنا على القوم الكافرين) *.
المسألة الخامسة: احتج الأصحاب على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى بقوله: * (ربنا أفرغ علينا صبرا) * وذلك لأنه لا معنى للصبر إلا القصد على الثبات، ولا معنى للثبات إلا السكون والاستقرار وهذه الآية دالة على أن ذلك القصد المسمى بالصبر من الله تعالى، وهو قوله: * (أفرغ علينا صبرا) * وعلى أن الثبات والسكون الحاصل عند ذلك القصد أيضا بفعل الله تعالى، وهو قوله: * (وثبت أقدامنا) * وهذا صريح في أن الإرادة من فعل العبد وبخلق الله تعالى، أجاب القاضي عنه بأن المراد من الصبر وتثبيت القدم تحصيل أسباب الصبر، وأسباب ثبات القدم، وتلك الأسباب أمور أحدها: أن يجعل في قلوب أعدائهم الرعب والجبن منهم فيقع بسبب ذلك منهم الاضطراب فيصير ذلك سببا لجراءة المسلمين عليهم، ويصير داعيا لهم إلى الصبر على القتال وترك الانهزام، وثانيها: أن يلطف ببعض أعدائهم في معرفة بطلان ما هم عليه فيقع بينهم الاختلاف والتفرق ويصير ذلك سببا لجراءة المؤمنين عليهم وثالثها: أن يحدث تعالى فيهم وفي ديارهم وأهاليهم من البلاء مثل