يحنث، لأن ذلك وإن كان مجازا إلا أنه مجاز معروف مشهور.
إذا عرفت هذا فنقول: إن قوله: * (فمن شرب منه فليس مني) * ظاهره أن يكون النهي مقصورا على الشرب من النهر، حتى لو أخذه بالكوز وشربه لا يكون داخلا تحت النهي، فلما كان هذا الاحتمال قائما في اللفظ الأول ذكر في اللفظ الثاني ما يزيل هذا الإبهام، فقال: * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * أضاف الطعم والشرب إلى الماء لا إلى النهر إزالة لذلك الإبهام.
أما قوله: * (إلا من اغترف غرفة بيده) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو * (غرفة) * بفتح الغين، وكذلك يعقوب وخلف، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بالضم، قال أهل اللغة الغرفة بالضم الشيء القليل الذي يحصل في الكف، والغرفة بالفتح الفعل، وهو الاغتراف مرة واحدة، ومثله الأكلة والأكلة، يقال: فلان يأكل في النهار أكله واحدة، وما أكلت عندهم إلا أكلة بالضم أي شيئا قليلا كاللقمة، ويقال: الحزة من اللحم بالضم للقطعة اليسيرة منه، وحززت اللحم حزة أي قطعته مرة واحدة، ونحوه: الخطوة والخطوة بالضم مقدار ما بين القدمين، والخطوة أن يخطو مرة واحدة، وقال المبرد: غرفة بالفتح مصدر يقع على قليل ما في يده وكثيره والغرفة بالضم اسم ملء الكف أو ما اغترف به.
المسألة الثانية: قوله: * (إلا من اغترف) * استثناء من قوله: * (فمن شرب منه فليس مني) * وهذه الجملة في حكم المتصلة بالاستثناء، إلا أنها قدمت في الذكر للعناية.
المسألة الثالثة: قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت الغرفة يشرب منها هو ودوابه وخدمه، ويحمل منها.
وأقول: هذا الكلام يحتمل وجهين أحدهما: أنه كان مأذونا أن يأخذ من الماء ما شاءه مرة واحدة، بغرفة واحدة، بحيث كان المأخوذ في المرة الواحدة يكفيه ولدوابه وخدمه، ولأن يحمله مع نفسه والثاني: أنه كان يأخذ القليل إلا أن الله تعالى يجعل البركة فيه حتى يكفي لكل هؤلاء، وهذا كان معجزة لنبي ذلك الزمان، كما أنه تعالى كان يروي الخلق العظيم من الماء القليل في زمان محمد عليه الصلاة والسلام.
أما قوله تعالى: * (فشربوا منه إلا قليلا منهم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ أبي والأعمش * (إلا قليل) * قال صاحب " الكشاف ": وهذا بسبب ميلهم إلى المعنى، وإعراضهم عن اللفظ، لأن قوله: * (فشربوا منه) * في معنى: فلم يطيعوه، لا جرم حمل عليه