أصل الفئة من قولهم: فأوت رأسه بالسيف، وفأيت إذا قطعت، فالفئة الفرقة من الناس، كأنها قطعة منهم.
المسألة الثالثة: قال الفراء: لو ألغيت من ههنا جاز في فئة الرفع والنصب والخفض، أما النصب فلأن * (كم) * بمنزلة عدد فنصب ما بعده نحو عشرين رجلا، وأما الخفض فبتقدير دخول حرف * (من) * عليه، وأما الرفع فعلى نية تقديم الفعل كأنه قيل: كم غلبت فئة.
وأما قوله: * (والله مع الصابرين) * فلا شبهة أن المراد المعونة والنصرة، ثم يحتمل أن يكون هذا قولا للذين قالوا: * (كم من فئة قليلة) * ويحتمل أن يكون قولا من الله تعالى، وإن كان الأول أظهر.
قوله تعالى * (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنآ أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: المبارزة في الحروب، هي أن يبرز كل واحد منهم لصاحبه وقت القتال، والأصل فيها أن الأرض الفضاء التي لا حجاب فيها يقال لها البراز، فكان البروز عبارة عن حصول كل واحد منهما في الأرض المسماة بالبراز، وهو أن يكون كل واحد منهما بحيث يرى صاحبه.
المسألة الثانية: أن العلماء والأقوياء من عسكر طالوت لما قرروا مع العوام والضعفاء أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وأوضحوا أن الفتح والنصرة لا يحصلان إلا بإعانة الله، لا جرم لما برز عسكر طالوت إلى عسكر جالوت ورأوا القلة في جانبهم، والكثرة في جانب عدوهم، لا جرم اشتغلوا بالدعاء والتضرع، فقالوا: * (ربنا أفرغ علينا صبرا) * ونظيره ما حكى الله عن قوم آخرين أنهم قالوا حين الالتقاء مع المشركين: * (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير) * (آل عمران: 146) إلى قوله: * (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) * (آل عمران: 147) وهكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل المواطن، وروي عنه في قصة بدر أنه عليه السلام لم يزل يصلي ويستنجز من الله وعده، وكان متى لقي