ما جآءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من ءامن ومنهم من كفر ولو شآء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: * (تلك) * ابتداء، وإنما قال: * (تلك) * ولم يقل أولئك الرسل، لأنه ذهب إلى الجماعة، كأنه قيل: تلك الجماعة الرسل بالرفع، لأنه صفة لتلك وخبر الابتداء * (فضلنا بعضهم على بعض) *.
المسألة الثانية: في قوله: * (تلك الرسل) * أقوال أحدها: أن المراد منه: من تقدم ذكرهم من الأنبياء عليهم السلام في القرآن، كإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب وموسى وغيرهم صلوات الله عليهم والثاني: أن المراد منه من تقدم ذكرهم في هذه الآية كأشمويل وداود وطالوت على قول من يجعله نبيا والثالث: وهو قول الأصم: تلك الرسل الذين أرسلهم الله لدفع الفساد، الذين إليهم الإشارة بقوله تعالى: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) * (البقرة: 251).
المسألة الثالثة: وجه تعليق هذه الآية بما قبلها ما ذكره أبو مسلم وهو أنه تعالى أنبأ محمدا صلى الله عليه وسلم من أخبار المتقدمين مع قومهم، كسؤال قوم موسى * (أرنا الله جهرة) * (النساء: 153) وقولهم: * (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) * (الأعراف: 138) وكقوم عيسى بعد أن شاهدوا منه إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله فكذبوه وراموا قتله، ثم أقام فريق على الكفر به وهم اليهود، وفريق زعموا أنهم أولياؤه وادعت على اليهود من قتله وصلبه ما كذبهم الله تعالى فيه كالملأ من بني إسرائيل حسدوا طالوت ودفعوا ملكه بعد المسألة، وكذلك ما جرى من أمر النهر، فعزى الله رسوله عما رأى من قومه من التكذيب والحسد، فقال: هؤلاء الرسل الذين كلم الله تعالى بعضهم، ورفع الباقين درجات وأيد عيسى بروح القدس، قد نالهم من قومهم ما ذكرناه بعد مشاهدة المعجزات، وأنت رسول مثلهم فلا تحزن على ما ترى من قومك، فلو شاء الله لم تختلفوا أنتم وأولئك، ولكن ما قضى الله فهو كائن، وما قدره فهو واقع وبالجملة فالمقصود من هذا الكلام تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على إيذاء قومه له.
المسألة الرابعة: أجمعت الأمة على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض، وعلى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من الكل، ويدل عليه وجوه أحدها: قوله تعالى: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (الأنبياء: 107) فلما كان رحمة لكل العالمين لزم أن يكون أفضل من كل العالمين.
الحجة الثانية: قوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) * فقيل فيه لأنه قرن ذكر محمد بذكره في كلمة