أبو عبيدة في هذه القراءة فقال لو جاز ذلك لجاز * (عسى ربكم) * أجاب أصحاب نافع عنه من وجهين الأول: أن الياء إذا سكنت وانفتح ما قبلها حصل في التلفظ بها نوع كلفة ومشقة، وليست الياء من * (عسى) * كذلك، لأنها وإن كانت في الكتابة ياء إلا أنها في اللفظ مدة، وهي خفيفة فلا تحتاج إلى خفة أخرى.
والجواب الثاني: هب أن القياس يقتضي جواز * (عسى ربكم) * إلا أنا ذكرنا أنهما لغتان، فله أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع والأخرى في موضع آخر.
المسألة الثانية: خبر * (هل عسيتم) * وهو قوله: * (أن لا تقاتلوا) * والشرط فاصل بينهما، والمعنى هل قاربتم أن تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال فأدخل * (هل) * مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون، وأراد بالاستفهام التقرير، وثبت أن المتوقع كائن له، وأنه صائب في توقعه كقوله تعالى: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) * معناه التقرير، ثم إنه تعالى ذكر أن القوم قالوا: * (وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله) * وهذا يدل على ضمان قوي خصوصا واتبعوا ذلك بعلة قوية توجب التشدد في ذلك، وهو قولهم: * (وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) * لأن من بلغ منه العدو هذا المبلغ فالظاهر من أمره الاجتهاد في قمع عدوه ومقاتلته.
فإن قيل: المشهور إنه يقال: مالك تفعل كذا؟ ولا يقال: مالك أن تفعل كذا؟ قال تعالى: * (مالكم لا ترجون لله وقارا) * (نوح: 13) وقال: * (وما لكم لا تؤمنون بالله) * (الحديد: 8).
والجواب من وجهين: الأول: وهو قول المبرد: أن * (ما) * في هذه الآية جحد لا استفهام كأنه قال: ما لنا نترك القتال، وعلى هذا الطريق يزول السؤال.
الوجه الثاني: أن نسلم أن * (ما) * ههنا بمعنى الاستفهام، ثم على هذا القول وجوه الأول: قال الأخفش: أن ههنا زائدة، والمعنى: ما لنا لا نقاتل وهذا ضعيف، لأن القول بثبوت الزيادة في كلام الله خلاف الأصل الثاني: قال الفراء: الكلام ههنا محمول على المعنى، لأن قولك: مالك لا تقاتل معناه ما يمنعك أن تقاتل؟ فلما ذهب إلى معنى المنع حسن إدخال أن فيه قال تعالى: * (ما منعك أن تسجد) * (ص: 75) وقال: * (مالك أن لا تكون مع الساجدين) * (الحجر: 32) الثالث: قال الكسائي: معنى * (وما لنا أن لا نقاتل) * أي شيء لنا في ترك القتال؟ ثم سقطت كلمة * (في) * ورجح أبو علي الفارسي، قول الكسائي على قول الفراء، قال: وذلك لأن على قول الفراء لا بد من إضمار حرف الجر، والتقدير: ما يمنعنا من أن نقاتل، إذا كان لا بد من إضمار حرف الجر على القولين، ثم على قول الكسائي يبقى اللفظ مع هذا الإضمار على ظاهره، وعلى قول الفراء لا يبقى، فكان قول الكسائي