المسألة الأولى: تعلق هذه الآية بما قبلها من حيث إنه تعالى لما فرض القتال بقوله: * (وقاتلوا في سبيل الله) * (البقرة: 190) ثم أمرنا بالإنفاق فيه لما له من التأثير في كمال المراد بالقتال ذكر قصة بني إسرائيل، وهي أنهم لما أمروا بالقتال نكثوا وخالفوا فذمهم الله تعالى عليه، ونسبهم إلى الظلم والمقصود منه أن لا يقدم المأمورون بالقتال من هذه الأمة على المخالفة، وأن يكونوا مستمرين في القتال مع أعداء الله تعالى. المسألة الثانية: لا شك أن المقصود الذي ذكرناه حاصل، سواء علمنا أن النبي من كان من أولئك، وأن أولئك الملأ من كانوا أو لم نعلم شيئا من ذلك، لأن المقصود هو الترغيب في باب الجهاد وذلك لا يختلف، وإنما يعلم من ذلك النبي ومن ذلك الملأ بالخبر المتواتر وهو مفقود، وأما خبر الواحد فإنه لا يفيد إلا الظن، ومنهم من قال: إنه يوشع بن نون بن افرايم بن يوسف، والدليل عليه قوله تعالى: * (من بعد موسى) * وهذا ضعيف لأن قوله: * (من بعد موسى) * كما يحتمل الاتصال يحتمل الحصول من بعد زمان، ومنهم من قال: كان اسم ذلك النبي أشمويل من بني هارون واسمه بالعربية: إسماعيل، وهو قول الأكثرين، وقال السدي: هو شمعون، سمته أمه بذلك، لأنها دعت الله تعالى أن يرزقها ولدا فاستجاب الله تعالى دعاءها، فسمته شمعون، يعني سمع دعاءها فيه، والسين تصير شينا بالعبرانية، وهو من ولد لاوي بن يعقوب عليه السلام.
المسألة الثالثة: قال وهب والكلبي: إن المعاصي كثرت في بني إسرائيل، والخطايا عظمت فيهم، ثم غلب عليهم عدو لهم فسبى كثيرا من ذراريهم، فسألوا نبيهم ملكا تنتظم به كلمتهم ويجتمع به أمرهم، ويستقيم حالهم في جهاد عدوهم، وقيل تغلب جالوت على بني إسرائيل، وكان قوام بني إسرائيل بملك يجتمعون عليه يجاهد الأعداء، ويجري الأحكام، ونبي يطيعه الملك، ويقيم أمر دينهم، ويأتيهم بالخبر من عند ربهم.
أما قوله: * (نقاتل في سبيل الله) * فاعلم أنه قرىء * (نقاتل) * بالنون والجزم على الجواب، وبالنون والرفع على أنه حال، أي ابعثه لنا مقدرين القتال، أو استئناف كأنه قيل: ما تصنعون بالملك، قالوا نقاتل، وقرئ بالياء والجزم على الجواب، وبالرفع على أنه صفة لقوله: * (ملكا) * أما قوله: * (قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وحده * (عسيتم) * بكسر السين ههنا، وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم، واللغة المشهورة فتحها ووجه قراءة نافع ما حكاه ابن الأعرابي أنهم يقولون: هو عسى بكذا وهذا يقوي * (عسيتم) * بكسر السين، ألا ترى أن عسى بكذا، مثل حري وشحيح وطعن