فيما بلغني فيه بقوله: ثم كان من الذين آمنوا كأن معناه: كان عنده، فلا فك رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والشأم فك رقبة على الإضافة أو إطعام على وجه المصدر.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، وتأويل مفهوم، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فقراءته إذا قرئ على وجه الفعل تأويله: فلا اقتحم العقبة، لا فك رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا، وما أدراك ما العقبة على التعجب والتعظيم. وهذه القراءة أحسن مخرجا في العربية، لان الاطعام اسم، وقوله: ثم كان من الذين آمنوا فعل، والعرب تؤثر رد الأسماء على الأسماء مثلها، والأفعال على الأفعال، ولو كان مجئ التنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا، كان أحسن، وأشبه بالاطعام والفك من ثم كان، ولذلك قلت: فك رقبة أو أطعم أوجه في العربية من الآخر، وإن كان للآخر وجه معروف، ووجهه أن تضمر أن ثم تلقى، كما قال طرفة بن العبد:
ألا أيهاذا الزاجري أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي بمعنى: ألا أيهاذا الزاجري أن أحضر الوغى. وفي قوله: أن أشهد الدلالة البينة على أنها معطوفة على أن أخرى مثلها، قد تقدمت قبلها، فذلك وجه جوازه. وإذا وجه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله: فك رقبة أو إطعام تفسيرا لقوله: وما أدراك ما العقبة كأنه قيل: وما أدراك ما العقبة؟ هي فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة كما قال جل ثناؤه: وما أدراك ماهيه، ثم قال: نار حامية مفسرا لقوله: وأمه هاوية، ثم قال: وما أدراك ما الهاوية؟ هي نار حامية.
وقوله: أو أطعم في يوم ذي مسغبة يقول: أو أطعم في يوم ذي مجاعة، والساغب:
الجائع.