أنه لا يكرم اليتيم، فأخرج الكلام على الخطاب، فقال: بل لستم تكرمون اليتيم، فلذلك أهنتكم ولا تحاضون على طعام المسكين.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه من أهل المدينة أبو جعفر وعامة قراء الكوفة بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون بالتاء أيضا وفتحها، وإثبات الألف فيها، بمعنى: ولا يحض بعضكم بعضا على طعام المسكين. وقرأ ذلك بعض قراء مكة وعامة قراء المدينة، بالتاء وفتحها وحذف الألف: ولا تحضون بمعنى: ولا تأمرون بإطعام المسكين. وقرأ ذلك عامة قراء البصرة: يحضون بالياء وحذف الألف، بمعنى: ولا يكرم القائلون إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ربي أكرمني، وإذا قدر عليه رزقه ربي أهانني اليتيم، ولا يحضون على طعام المسكين وكذلك يقرأ الذين ذكرنا من أهل البصرة يكرمون وسائر الحروف معها بالياء، على وجه الخبر عن الذين ذكرت. وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ:
تحاضون بالتاء وضمها وإثبات الألف، بمعنى: ولا تحافظون.
والصواب من القول في ذلك عندي: أن هذه قراءات معروفات في قراءة الأمصار، أعني القراءات الثلاث صحيحات المعاني، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: وتأكلون التراث أكلا لما يقول تعالى ذكره: وتأكلون أيها الناس الميراث أكلا لما، يعني: أكلا شديدا، لا تتركون منه شيئا، وهو من قولهم: لممت ما على الخوان أجمع، فأنا ألمه لما: إذا أكلت ما عليه، فأتيت على جميعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28798 - حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشي، قال: ثنا الأنصاري، عن أشعث، عن الحسن وتأكلون التراث أكلا لما قال: الميراث.
28799 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وتأكلون التراث أي الميراث.
وكذلك في قوله: أكلا لما. ذكر من قال ذلك:
28800 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، وتأكلون التراث أكلا لما يقول: تأكلون أكلا شديدا.
28801 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، في قوله:
وتأكلون التراث أكلا لما قال: نصيبه ونصيب صاحبه.