فقال: وأبيكرينا، فجمعها بالنون إذ لم يقصد عددا معلوما من البكارة، بل أراد عددا لا يحد آخره، وكما قال الآخر:
فأصبحت المذاهب قد أذاعت * بها الاعصار بعد الوابلينا يعني: مطرا بعد مطر غير محدود العدد، وكذلك تفعل العرب في كل جمع لم يكن بناء له من واحده واثنيه، فجمعه في جميع الإناث، والذكران بالنون على ما قد بينا، ومن ذلك قولهم للرجال والنساء: عشرون وثلاثون. فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا، فبين أن قوله:
لفي عليين معناه: في علو وارتفاع، في سماء فوق سماء، وعلو فوق علو، وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سدرة المنتهى، وإلى قائمة العرش، ولا خبر يقطع العذر بأنه معني به بعض ذلك دون بعض.
والصواب أن يقال في ذلك، كما قال جل ثناؤه: إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حد قد علم الله عز وجل منتهاه، وعلم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يقصر عن السماء السابعة، لاجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك.
وقوله: وما أدراك ما عليون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد الله، معجبه من عليين:
وأي شئ أشعرك يا محمد ما عليون؟.
وقوله: كتاب مرقوم يقول جل ثناؤه: إن كتاب الأبرار لفي عليين، كتاب مرقوم:
أي مكتوب بأمان من الله إياه من النار يوم القيامة، والفوز بالجنة، كما قد ذكرناه قبل عن كعب الأحبار والضحاك بن مزاحم، وكما:
28403 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كتاب مرقوم رقم.
وقوله: يشهده المقربون يقول: يشهد ذلك الكتاب المكتوب بأمان الله للبر من عباده من النار، وفوزه بالجنة، المقربون من ملائكته من كل سماء من السماوات السبع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: