أعجب القراءات في ذلك إلي أقرأ بها: علام الغيب على القراءة التي ذكرتها عن عامة قراء أهل الكوفة فأما اختيار علام على عالم، فلانها أبلغ في المدح. وأما الخفض فيها فلانها من نعت الرب، وهو في موضع الجر. وعنى بقوله: علام الغيب علام ما يغيب عن أبصار الخلق، فلا يراه أحد، إما ما لم يكونه مما سيكونه، أو ما قد كونه فلم يطلع عليه أحدا غيره. وإنما وصف جل ثناؤه في هذا الموضع نفسه بعلمه الغيب، إعلاما منه خلقه أن الساعة لا يعلم وقت مجيئها أحد سواه، وإن كانت جائية، فقال لنبيه محمد (ص): قل للذين كفروا بربهم: بلى وربكم لتأتينكم الساعة، ولكنه لا يعلم وقت مجيئها أحد سوى علام الغيوب، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة.
يعني جل ثناؤه بقوله: ولا يعزب عنه لا يغيب عنه، ولكنه ظاهر له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
21913 حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: لا يعزب عنه يقول: لا يغيب عنه.
21914 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: لا يعزب عنه قال: لا يغيب.
21915 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لا يعزب عنه مثقال ذرة: أي لا يغيب عنه.
وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: مثقال ذرة يعني: زنة ذرة في السماوات ولا في الأرض يقول تعالى ذكره: لا يغيب عنه شئ من زنة ذرة فما فوقها فما دونها، أين كان في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك يقول: ولا يعزب عنه أصغر من مثقال ذرة ولا أكبر منه إلا في كتاب مبين يقول: هو مثبت في كتاب يبين للناظر فيه أن الله تعالى ذكره قد أثبته وأحصاه وعلمه، فلم يعزب عن علمه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم) *.