الأول: أنه لا بد لنا ان نفرق منذ البدء بين فكرة تأثر القرآن الكريم، وانفعاله بالظروف الموضوعية من البيئة وغيرها بمعنى انطباعه بها، وبين فكرة مراعاة القرآن لهذه الظروف بقصد تأثيره فيها وتطويرها لصالح الدعوة.
فإن الفكرة الأولى تعني في الحقيقة: بشرية القرآن، حيث تفرض القرآن في مستوى الواقع المعاش وجزءا من البيئة الاجتماعية يتأثر بها كما يؤثر فيها، بخلاف الفكرة الثانية فإنها لا تعني شيئا من ذلك، لان طبيعة الموقف القرآني الذي يستهدف التغيير، وطبيعة الاهداف والغايات التي يرمي القرآن إلى تحقيقها قد تفرض هذه المراعاة، حيث تحدد الغاية والهدف طبيعة الأسلوب الذي يجب سلوكه للوصول إليها.
فهناك فرق بين أن تفرض الظروف والواقع أنفسهما على الرسالة، وبين ان تفرض الاهداف والغايات التي ترمي الرسالة إلى تحقيقها من خلال الواقع أسلوبا ومنهجا للرسالة، لان الهدف والغاية ليسا شيئين منفصلين عن الرسالة ليكون تأثيرهما عليها تأثيرا مفروضا من الخارج.
فنحن في الوقت الذي نرفض فيه الفكرة الأولى بالنسبة إلى القرآن، نجد أنفسنا لا تأبى التمسك بالفكرة الثانية في تفسير الظواهر القرآنية المختلفة، سواء ما يرتبط منها بالأسلوب القرآني أو الموضوع والمادة المعروضة فيه.
الثاني: ان تفسير أصل وجود الظاهرة القرآنية لا بد ان يعتبر هو المصدر الأساس في جميع الأحكام التي تصدر على محتوى القرآن وأسلوب العرض فيه، فقد تكون النقطة الواحدة في القرآن الكريم سببا في إصدار حكمين مختلفين نتيجة للاختلاف في تفسير أصل وجود القرآن، وسوف نورد بعض الأمثلة لهذا الاختلاف في الحكم عندما نذكر ان من شروط المفسر للقرآن ان يكون ذا ذهنية إسلامية (1).