فالقرآن الكريم كما نعرف هو ﴿... كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾ (١). فهو (كلام واحد) يعبر عن تصور متكامل وشامل للكون والحياة والدين، ولكن شاءت الحكمة الإلهية أن ينزل هذا الكلام بشكل تدريجي و (منجما) لتحقيق أغراض عديدة تحدثنا عنها في محله من علوم القرآن، كما أشار إليه القرآن الكريم نفسه (٢).
وقد أحاطت بالنزول التدريجي هذا ظروف وأحداث تلقي الضوء على معانيه وأهدافه من ناحية، وكان لها تأثير في أسلوب العرض والبيان والمقاصد أحيانا أخرى.
فقد يأتي البيان في البداية (عاما) لمصلحة سياسية أو تربوية أو لرسم الأساس الفكري والمنطلقات النظرية، ثم يأتي تخصيص هذا (العام) وبيان الاستثناءات التي تقتضيها المصالح السياسية أو الاجتماعية، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن بعض هذه التخصيصات جاءت من السنة النبوية الشريفة، وهو شئ يقبله جمهور علماء الاسلام استنادا لقوله تعالى: ﴿... ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا...﴾ (3).
أو يثبت القرآن الكريم موقفا سياسيا أو حكما شرعيا مراعيا تطور الدعوة والرسالة وحركتها في أرض الواقع، ثم (ينسخ) ذلك الموقف والحكم بعد أن تتغير الظروف وتتطور لصالح تثبيت حكم آخر أكثر انسجاما مع تطور المرحلة واستقرار الكيان السياسي أو الأوضاع الاجتماعية (4).