كل ذلك قام به القرآن الكريم ولكن بشكل تدريجي يسمح لعامة المسلمين أن ينظروا إليه كأحداث تشكل جزءا من حياتهم الاجتماعية، وقد كان المسلمون يفهمون القرآن من خلال هذه النظرة وعلى أساس ما لديهم من خبرة عامة، وهي تعني جميع المعلومات التي تحصل لدى الانسان في مجرى حياته الاعتيادية، وهذه الخبرة العامة التي كان المسلمون يفهمون النص القرآني بموجبها في ذلك العصر ذات عناصر مختلفة نعرف من خلالها أنهم كانوا يمتازون بها علينا وعلى العصور الأخرى المتأخرة بالرغم من بساطتها، ويمكن ان نلخصها بالأمور التالية:
أ - الثقافة اللغوية العامة، فالقرآن نزل باللغة العربية التي كانت تمثل لغة المسلمين في ذلك العصر، لان الوجود الاسلامي حينذاك لم يكن قد انفتح على الشعوب الأخرى، وهذه الثقافة اللغوية كانت تمنح المسلمين فهما إجماليا للقرآن من ناحية لغوية.
ب - تفاعل المسلمين مع الاحداث الاسلامية وأسباب النزول، ذلك أن القرآن - كما نعرف - نزل في كثير من الأوقات بسبب حوادث معينة أثارت نزول الوحي، والمسلمون بحكم ارتباطهم بهذه الحوادث، واطلاعهم على ظروفها الخاصة المحيطة بها كانوا يتعرفون بشكل إجمالي أيضا محتوى النص القرآني ومعطياته واهدافه.
ج - الفهم المشترك للعادات والتقاليد العربية، فنحن نعرف أن القرآن الكريم حارب بعض العادات والتقاليد العربية وندد بها، والعرب بحكم ظروفهم الاجتماعية كانوا على اطلاع بما تعنيه هذه العادات، ومن ثم على المفهوم الجديد عنها، فمن الطبيعي ان يفهموا قوله تعالى: ﴿انما النسئ زيادة في الكفر...﴾ (1)