وطبقا لاسلوب القرآن في الإيجاز والتفصيل في ذكر القضايا المختلفة، فإن الآيات الآنفة بعد أن تطرقت بصورة موجزة إلى نعم الله على داود، تشرح أنواعا من تلك النعم، قال تعالى: إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق (1).
كذلك سخرنا له مجاميع الطيور كي تسبح الله معه والطير محشورة.
فكل الطيور والجبال مسخرة لداود ومطيعة لأوامره، وتسبح معه البارئ عز وجل، وتعود إليه، كل له أواب.
الضمير (له) يمكن أن يعود على داود، وطبقا لهذا فإن مفهوم الجملة ينطبق مع ما ذكرناه أعلاه، وهناك احتمال وارد أيضا وهو أن ضمير (له) يعود إلى ذات الله الطاهرة، ويعني أن كل ذرات العالم تعود إليه ومطيعة لأوامره.
هناك سؤال يطرح، وهو: كيف تردد الطيور والجبال صوت التسبيح مع داود؟
اختلف المفسرون في الإجابة على هذا السؤال، وذكروا عدة تفاسير واحتمالات له، منها:
1 - قال البعض: إن صوت داود الجذاب كان يتردد صداه عندما تصطدم موجاته الصوتية بالجبال فيجذب الطيور إليه (وبالطبع فإن هذه لا تعد فضيلة كي يتطرق إليها القرآن المجيد وبشئ من العظمة).
2 - واحتمل البعض الآخر أن تسبيحها كان توأما مع صوت ظاهري، مرافقا لنوع من الإدراك والشعور الذي هو في باطن ذرات العالم، وطبقا لهذا الاحتمال، فإن كل موجودات العالم تتمتع بنوع من العقل والشعور، وحينما تسمع صوت مناجاة هذا النبي الكبير تردد معه المناجاة، ليمتزج تسبيحها مع تسبيح داود (عليه السلام).