الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٤ - الصفحة ٤٧٤
وطبقا لاسلوب القرآن في الإيجاز والتفصيل في ذكر القضايا المختلفة، فإن الآيات الآنفة بعد أن تطرقت بصورة موجزة إلى نعم الله على داود، تشرح أنواعا من تلك النعم، قال تعالى: إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق (1).
كذلك سخرنا له مجاميع الطيور كي تسبح الله معه والطير محشورة.
فكل الطيور والجبال مسخرة لداود ومطيعة لأوامره، وتسبح معه البارئ عز وجل، وتعود إليه، كل له أواب.
الضمير (له) يمكن أن يعود على داود، وطبقا لهذا فإن مفهوم الجملة ينطبق مع ما ذكرناه أعلاه، وهناك احتمال وارد أيضا وهو أن ضمير (له) يعود إلى ذات الله الطاهرة، ويعني أن كل ذرات العالم تعود إليه ومطيعة لأوامره.
هناك سؤال يطرح، وهو: كيف تردد الطيور والجبال صوت التسبيح مع داود؟
اختلف المفسرون في الإجابة على هذا السؤال، وذكروا عدة تفاسير واحتمالات له، منها:
1 - قال البعض: إن صوت داود الجذاب كان يتردد صداه عندما تصطدم موجاته الصوتية بالجبال فيجذب الطيور إليه (وبالطبع فإن هذه لا تعد فضيلة كي يتطرق إليها القرآن المجيد وبشئ من العظمة).
2 - واحتمل البعض الآخر أن تسبيحها كان توأما مع صوت ظاهري، مرافقا لنوع من الإدراك والشعور الذي هو في باطن ذرات العالم، وطبقا لهذا الاحتمال، فإن كل موجودات العالم تتمتع بنوع من العقل والشعور، وحينما تسمع صوت مناجاة هذا النبي الكبير تردد معه المناجاة، ليمتزج تسبيحها مع تسبيح داود (عليه السلام).

1 - (معه) من الممكن أن تكون متعلقة بقوله (يسبحن) ووفقا لهذا فإن اقتداء الجبال بداود في التسبيح يوضح نفس ما جاء في الآية (10) من سورة سبأ يا جبال أوبي معه ويمكن أن تكون (معه) متعلقة ب‍ (سخرنا) وفي هذه الحالة فإن مفهوم العبارة يكون (إنا سخرنا له الجبال) واستخدام كلمة (معه) بدلا من (له) إنما تم لتوضيح اشتراكهما في التسبيح.
(٤٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 ... » »»
الفهرست