" ننكسه " من مادة " تنكيس " وهو قلب الشئ على رأسه. وهي هنا كناية عن الرجوع الكامل للإنسان إلى حالات الطفولة. فالإنسان منذ بدء خلقته ضعيف، ويتكامل تدريجيا ويرشد، وفي أطواره الجنينية يشهد في كل يوم طورا جديدا ورشدا جديدا، وبعد الولادة - أيضا - يستمر في مسيره التكاملي جسميا وروحيا وبسرعة، وتبدأ القوى والاستعدادات التي أخفاها الله في أعماق وجوده بالظهور تدريجيا الواحدة تلو الأخرى، في طور الشباب، ثم طور النضج، ليبلغ الإنسان أوج تكامله الجسمي والروحي.
وهنا تنفصل الروح عن الجسد في تكاملها ونموها، فتستمر في تكاملها في حال أن الجسد يشرع بالنكوص، ولكن العقل في النهاية يبدأ هو الآخر بالتراجع أيضا، فيعود تدريجيا - وأحيانا بسرعة - إلى مراحل الطفولة، ويتساوق ذلك مع الضعف البدني أيضا، مع الفارق طبعا، فالآثار التي تتركها حركات وروحيات الأطفال على النفس هي الراحة والجمال والأمل ولهذا فهي مقبولة منهم، ولكنها من أهل الشيخوخة، قبيحة ومنفرة، وفي بعض الأحيان قد تثير الشفقة والترحم، فالشيخوخة أيام عصيبة حقا، يصعب تصور عمق آلامها.
في الآية (5) سورة الحج أشار القرآن المجيد إلى هذا المعنى، قائلا: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا. لذا فقد ورد في بعض الروايات أن من جاوز السبعين حيا فهو " أسير الله في الأرض " (1).
وعلى كل حال فإن جملة أفلا يعقلون تشع تنبيها عجيبا بهذا الخصوص، وتقول للبشر: إن هذه القدرة والقوة التي عندكم لو لم تكن على سبيل " العارية " لما أخذت منكم بهذه البساطة. اعلموا أن فوقكم يد قدرة أخرى قادرة على كل