وكذلك لو كانت كل البحار والمحيطات الموجودة، والتي تشكل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية تقريبا، بذلك العمق الساحق، تصبح حبرا، عند ذلك يتضح عظمة ما سيكتب، وكم من العلوم يمكن كتابتها بهذا المقدار من الأقلام والحبر! سيما مع ملاحظة مضاعفة ذلك بإضافة سبعة أبحر أخرى، وكل واحد منها يعادل كل محيطات الأرض، وبالأخص إذا علمنا أن عدد السبعة هنا لا يعني العدد، بل للكثرة والإشارة إلى البحار التي لا عد لها، فعند ذلك ستتضح سعة علم الله عز وجل وترامي أطرافه، ومع ذلك فإن كل هذه الأقلام والمحابر تنتهي ولكن علومه سبحانه لا تعرف النهاية.
هل يوجد تجسيد وتصوير للنهاية أروع وأبلغ وأجمل من هذا التجسيد؟ إن هذا العدد حي وناطق إلى الحد الذي يصطحب معه أمواج فكر الإنسان إلى الآفاق اللامحدودة، ويغرقها في الحيرة والهيبة والجلال.
إن الإنسان يشعر مع هذا البيان البليغ الواضح أن معلوماته مقابل علم الله كالصفر مقابل اللانهاية، ويليق به أن يقول فقط: إن علمي قد أوصلني إلى أن أطلع على جهلي، فحتى التشبيه بالقطرة من البحر لتبيان هذه الحقيقة لا يبدو صحيحا.
ومن جملة المسائل اللطيفة التي تلاحظ في الآية: أن الشجرة قد وردت بصيغة المفرد، والأقلام قد وردت بصيغة الجمع، وهذا تبيان لعدد الأقلام الكثيرة التي تنتج من شجرة واحدة بساقها وأغصانها.
وكذلك التعبير ب (البحر) بصيغة المفرد مع (الف ولام) الجنس ليشمل كل البحار والمحيطات على وجه الأرض، خاصة وأن كل بحار العالم ومحيطاته متصلة ببعضها، وهي في الواقع بحكم بحر واسع.
والطريف في الأمر أنه لا يتحدث في مورد الأقلام عن أقلام إضافية ومساعدة، أما فيما يتعلق بالبحار فإنه يتحدث عن سبعة أبحر أخرى، لأن القلم يستهلك قليلا أثناء الكتابة، والذي يستهلك أكثر هو الحبر.