وعلى كل حال، فإن القرآن الكريم ولأجل تجسيد علم الله اللامتناهي يقول:
ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم.
" يمده " من مادة (المداد) وهي بمعنى الحبر أو المادة الملونة التي يكتبون بها، وهي في الأصل من (مد) بمعنى الخط، لأن الخطوط تظهر على صفحة الورق بواسطة جر القلم.
ونقل بعض المفسرين معنى آخر لها، وهو الزيت الذي يوضع في السراج ويسبب إنارة السراج. وكلا المعنيين في الواقع يرجعان إلى أصل واحد.
" الكلمات " جمع " كلمة "، وهي في الأصل الألفاظ التي يتحدث ويتكلم بها الإنسان، ثم أطلقت على معنى أوسع، وهو كل شئ يمكنه أن يبين المراد والمطلب، ولما كانت مخلوقات هذا العالم المختلفة يبين كل منها ذات الله المقدسة وعظمته، فقد أطلق على كل موجود (كلمة الله)، واستعمل هذا التعبير خاصة في الموجودات الأشرف والأعظم، كما نقرأ في شأن المسيح في الآية (171) من سورة النساء إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ثم استعملت كلمات الله بمعنى علم الله لهذه المناسبة.
والآن يجب أن نفكر بدقة وبشكل صحيح بأنه قد يكفي أحيانا قلم واحد مع مقدار من الحبر لكتابة كل المعلومات التي تتعلق بإنسان ما، بل قد يكون من الممكن أن يسجل أفراد آخرون مجموعة معلوماتهم على الأوراق بنفس ذلك القلم، إلا أن القرآن يقول: لو أن كل الأشجار الموجودة على سطح الأرض تصبح أقلاما - ونحن نعلم أنه قد تصنع من شجرة ضخمة، من ساقها وأغصانها، آلاف، بل ملايين الأقلام، ومع الأخذ بنظر الاعتبار المقدار العظيم للأشجار الموجودة في الأرض، والغابات التي تغطي الكثير من الجبال والسهول، وعدد الأقلام الذي سينتج منها..